دلالات مسيرة العودة متباينة من القاهرة الى عمان , رغم وحدة الشعار و وحدة مرجعيته , هناك يرى الثوار ان معبر رفح هو معبرهم نحو ترسيخ الثورة و تأكيد هويتها بترسيخ القطع مع نظام مبارك , الذي قدم الورقة الفلسطينية قربانا على مذبح التوريث و الصمت على الفساد و باقي الاختلاسات السياسية .
هنا في عمان رغبة اخرى في طرح مسيرة العودة , فهي ليست عودة من اجل فلسطين فقط بل عودة من اجل الشارع الذي تجافى مع شعارات احزاب المعارضة وجافى نشاطاتها , قبل ان تلتقط الاحزاب مزاج الناس فتعلن وقف انشطتها الشارعية ,عائدة الى ما يجذب الشارع الاردني خصوصا و العرب عموما , فالجاذب فلسطين و قضيتها فنحن نعرف في الاردن حصرا ان المطالب الشعبية لم تحرّك الناس , بقدر ما تحرّكهم القضايا القومية , فلا خصومة بين الناس و الدولة و لا يوجد ارث من القمع و الحمدلله لا دم في ذاكرتنا السياسية و لا مفقودين .
ما طرأ منذ حراك « بني حميدة « - بوصفه باكورة الحراك الشعبي - ان الشعب التفت الى قضاياه المطلبية ربما بحكم التأثر بالمشاهد الفضائية , لكنها لامست اوجاعا صادقة و هموما واقعة , كان شكل التعبير عنها سابقا يتم بطرق مختلفة و اشكال غير شارعية , قبل ان تهدي تونس و بعدها القاهرة , شعوب العرب قيمة حراكهم و جدواه و مقدرته .
دخل السياسي على خط المطلبي في عمان وحاول خلط الاوراق و نجح بداية في التعبير المطلبي واستثماره لصالح الشعار السياسي الذي لم يكن جاذبا للداخل الاردني.
لكن المطلبي وهو الشعارالطاغي الان , ادرك بفطرية الناس ان السياسي يقوده الى مربعات ليست فقط غير ملبية لطموحه بل ستدفع بالبلاد الى مساحات رمادية وضبابية ليس بحكم امتزاج الالوان البيضاء و السوداء في المطالب بل بحكم اختلاف الاهداف والمقاصد بين السياسي و الشعبي , فأغلقت تيارات سياسية ابواب الحوار و قفزت تيارات اخرى الى طلبات ومطالب غير مقبولة شعبيا فعاد الناس الى هدوء بيوتهم وتركوا التباس السياسيين ليظهروا وحدهم بمطالبهم دون الباسها لبوس الناس , فأنكشف المستور وصمتت السياسة و تراجعت, بعد ان انطلقت فعاليات الحوار غير المسقوفة الا بما يسقفه الناس انفسهم .
فترة الاستراحة السياسية عند بعض الاحزاب والقوى انتجت او استثمرت ذكرى الاغتصاب فعادت الى الشارع من جديد لتتصالح معه على ما يحبه , وتشابكت الاهداف في مسيرة العودة بين القوى الداعية, فمنهم من طرحها سلوكا حميدا يهدف الى احياء العودة والامساك على جمرها رغم برودة الطقس الكوني و بلادة المشهد العربي و الفلسطيني , و منهم من ارادها فرصة لانتاج حوار حول استحقاقات الاصلاح و عمليته كمدخل لتعريف المعرّف اصلا و فرعا, و الثالث ارادها اي المسيرة فرصة لوقف المسيرة الداخلية ذاتها .
احياء ذكرى الاغتصاب هو جوهر العمل السياسي في الاردن و لتثقيف الفكرة و تحديد المطلب يجب ان يصبح يوم الخامس عشر من ايار يوما عربيا « للعودة « تتحرك فيه كل الشوارع العربية على توقيت واحد و مطلب واحد « هو قدسية العودة « و العودة فقط و بعدها التعويض .
وهذا الشعار على شدة تباين العواصم حيال اعراضه السياسية و الاجتماعية , فان عمان عليها ان تتعامل مع الشعار على مستويين , الاول انه شعار يتطلب اجندة شعبية ورسمية واضحة قوامها صلابة الموقف السياسي الرافض لكل اشكال التسويف او تراتبية الاولويات و الثاني تقوية الجهة الداخلية و تحصينها بالاصلاح السياسي وخلق بيئة سياسية ديمقراطية تنتج برلمانا حقيقيا و احزابا حقيقية برامجها اردنية ورؤيتها قومية .
شعار مسيرة العودة يجب ان يكون في عمان دعم المسيرة الاصلاحية و ليس تعطيلها فمسيرة الموقف من اجل العودة لا تتعايش او تتماشى مع دعاة وقف المسيرة او سيرها وفق مسارهم وحدهم لان عمان القوية والصلبة هي الضامنة الاولى و الضمانة الاكبر لمسيرة العودة وتحقيق اهدافها .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور