أثبتت الأنظمة الملكية بخاصة تلك التي تملك شرعيات و امتدادات انها الأكثر قدرة على الديمومة و الاستمرارية و اجراء الاصلاحات , و التجاوب مع متطلبات الشعوب و تطوير المعارضة و قيادة عجلة التغيير بما يرسم المستقبل وفق ألوان الربيع العربي .
الاردن و ليس من باب الانحياز او التزلف اثبت أنه نموذج للملكيات المتطورة و ان استناد نظام الحكم الى الشرعية و المشروعية الممتدة دعمت تجاوبه مع التغيير إن لم تسبقه القيادة الهاشمية بسنوات, فهي لم تلجأ الى اغماض العين او ادارة النظر لمطالب الشارع , و ليس من باب المصادفة ان تأتي مقابلة الملك مع المحطة الامريكية مؤخرا ليتحدث بجلاء عن الاصلاح برعاية ملكية و دعم شعبي كاشفا تفاصيل سيرورة الاصلاح و كاشفا ادوات تعطيل العجلة من مطلقي الشائعات و زعزعة السلم الاهلي و التعايش الوطني .
الان في رحم الاستقلال الوطني الاردني ثمة خطوات قطعت في اتجاهات الاصلاح و ثمة خطوات واجبة السير بسرعة استعدادا لموجة الثورات الفكرية و الثقافية التي ستعقب التغييرات , فعمق و شمولية الثورات في مصر و تونس و اليمن و سوريا و ما يجري تحت رماد الجمر في عواصم اخرى سيكشف عن ذلك قريبا و الشارع الاردني قفز خطوات نحو هذه الثورات الفكرية و الثقافية باستخدام ادوات تعبير ناضجة و موضوعية و أغلق صفحات الحراك الضار او العنيف الى غير رجعة , فالحراك الاردني سلمي بكل معاني الكلمة و متوافق مع العقل الملكي في الاصلاح و التحديث , رغم وجود ادوات « التعطيل « من شائعات و مقاطعات غير واعية لما بعد التغيير الذي حسم في ذهن الدولة و اعصابها الحساسة و اخرجته لجنة الحوار الوطني كمخرجات في قانوني الانتخابات و الاحزاب .
الثورات ليست محكومة بمعارضة النظام بل يمكن للثورات البيضاء - كما الاردن - ان تحقق انجازات عميقة عبر حماية نفسها بالتخطيط و الاستراتيجيات فالبلاد لا تحكم عفويا و غياب جسم منظم لديه فكر واستراتيجية للتغيير التدريجي المثابر سيفضي الى تأبيد شكل القائم فعناصر التعطيل موجودة في كل قطاعات الدولة و المجتمع .
الجسم المنظم الآن هو الدولة و اجهزتها كما حدد أطرها و ادوارها و وظائفها الملك بعد التغييرات الواعية التي ستجري عقب اقرار قانوني الانتخابات و الاحزاب و ما سيجري من تعديلات على الدستور يحمي هذه التغييرات الجوهرية و يحدد الفواصل و التقاطع بين السلطات و صون القضاء تحت مظلة الحكم الهاشمي الرشيد .
أي إصلاح او تغيير تحميه جموع المواطنين و لا تكفي ضمانة الدولة فقط و النخر او عدم الحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة سيطيح بأي اصلاح مهما علا شأنه او غلا ثمنه و هنا سيكون على كاهل الدولة بمجموعها الكلي مهمة تجاوز الهويات الفرعية كي تتمكن من طرح بديل ديمقراطي مدني ولا بد ان يبدو ذلك الجهد ملموسا على البنية الاساسية و القيادية والسياسية من حيث تعزيز حضور الكفاءة و النزاهة, لأن أي طابع او ملمح مذهبي او طائفي او عشائري او اقليمي سيفشل كل الجهود و سيقضي على الآمال لأن قوى التعطيل ستتمكن من النفاذ كما دأبت و نجحت نسبيا خلال السنوات السابقة و هذا سيفضي الى ابتعاد فئات وطنية ومواطنية واسعة عن مشروع التغيير الاصلاحي لأنها سترى في نفسها متضررة من وجود هذه المكونات في المشهد الوطني.
كل عام و الوطن و استقلاله و قيادته و شعبه بألف خير.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور