كل من اقترب من الرئيس معروف البخيت يعرف ان فترة حضانة القرار لديه طويلة, وبحكم عمله في الملفات طويلة المدى، يلتفت الرجل الى تفاصيل التفاصيل, ويقول بعض المقربين منه انه يغرق فيها, فتفلت فرصة القرار من تحت اصابع اللحظة وينقلب القرار عكسيا في معظم المرات.
الرئيس وحكومته امضيا مائة يوم في الدوار الرابع, وسط ظروف اقليمية ومحلية سريعة التغير وحبلى بالمفاجآت, فقد رحلت انظمة واخرى تلملم اغراضها وبعضها ينتظر, وانعكس ذلك على الساحة الاردنية التي تداخل فيها المطلبي مع السياسي لاستثمار اللحظة الراهنة والساعة المربوطة على توقيت الحراك الشارعي.
وان جاز التعبير فان الحكومة جاءت تحت وقع «الصدمة العربية» وجزءا من استحقاقها بعد ان تحرك الشارع مطالبا برحيل حكومة سمير الرفاعي التي نجحت في احداث تحالفات شعبية وبين قوى متناقضة بشكل يفوق الوصف, ولتخفيف الاشتباك او ازالة اثاره غير المحببة جاء البخيت وحكومته.
اي ان الرجل جاء بوحي من صدمة كان عليه امتصاص تبعاتها وارتداداتها للمضي الى الامام في الاصلاح الذي اطلقه الملك ودعمته التحركات الشعبية واستجابت له هدوءا في ايام الجمع المتعددة وطغى الحوار واجندته على الاصوات العالية ورغباتها في الاستمرار بالحوار الشارعي.
خروج السجين خالد شاهين يشكل اعنف صدمة للحكومة في بواكير عمرها قبل ان ينتقل الشارع من دور المراقب الى المحرك للمطالبة بنهايات لهذا المسلسل الاكثر تشويقا وتعقيدا والمليء بالمفاجآت والاحداث شبه اليومية ولولا مهابة لاقترحت على شركة انتاج تلفزيون اعداد هذه الحادثة مسلسلا رمضانيا سيحظى بنسبة مشاهدة عالية واستقالة الوزيرين ستكون بمثابة النهاية المفتوحة والتي بالعادة لا تعجب المشاهدين.
ثاني الصعقات كانت استمرار الحراك المطلبي الذي بدأ يتناسل ويتوالد بطريقة لافتة, فمن المعلمين.. الى الاطباء.. الى عمال المياومة.. الى الصحافة، فباتت ظاهرة وطنية يخشى فيها كل صاحب قرار في مؤسسة خاصة أو عامة يوم العمل بعد أن طال الحراك المطلبي تغيير حتى مدراء المدارس والمعلمين.
ثالث الحركات وهو الحراك ضد الفساد الذي بات حديثا يوميا على كل المستويات عززه خروج شاهين والحركات المطلبية التي كشفت من ضمن ما كشفت سلسلة من التجاوزات الادارية والانفاق الباذخ والقرارات الخاطئة التي تفيض اثارها السلبية عن حاجة رفع الرواتب وتحسين الاوضاع المعاشية للعاملين في اجهزة الدولة ومؤسساتها.
ما شهده الاردن خلال المئة يوم يحتاج الى حكومات وحكومات ولكن يحتاج حتما الى حكومة مبادرة وسابقة للشارع وهذا ما فقدته الحكومة فصارت المائة يوم اطول من سنة على الناس.
الحكومة في مئويتها الاولى بحاجة الى ترتيب اوراقها بسرعة والاستجابة لمطالب الشارع بالكشف عن القضايا المطروحة وتحديدا سفر شاهين الذي سيكون بمثابة طوق النجاة للرئيس او سيكون تبليغ الوفاة لبعض الفريق او كله وضرورة معالجة اختلالات الرواتب وتحقيق مطالب مشروعة للكثير من العاملين, لكن يبقى هناك ثابت في ظل كل الانتقادات ان الرئيس حافظ على ثقة الناس بذمته المالية وهذا يمكن ان ينفع الرئيس اذا ما تخلى عن الحضانة الطويلة للقرار.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور