الحزب إما ان يكون جزءًا من السلطة او قريبا منها , وبالمناسبة معارضة السلطة جزء من القرب منها , ففي الدول الراسخة سياسيا تكون المعارضة حكومة ظل , اي انها طرف في المشاركة السياسية , يحمل وجهة نظر مغايرة للقائم او للجالس على كرسي الإدارة العامة او الولاية العامة .

مراجعة حزب جبهة العمل الاسلامي لقرار مقاطعته الرسميين الامريكان او البريطانيين , يصب في الفهم السياسي لضرورة مراجعة المواقف كما يقول الشيخ حمزة منصور في تصريحات صحفية ويصب اكثر في خانة دور الحزب ومهامه بالقرب من السلطة او التشارك فيها ومعها بشكل مباشر ودون الحرد السياسي .

المهم في المسألة الا يكون القرار انتقائيا , فنرفع المقاطعة عن الغرب المحتل ونبقيه على الدول والحكومات العربية او حكومات بلد المنشأ , فإنسحاب القوات الامريكية والبريطانية من العراق بعد الاحتلال لا ينفي عن الدولتين صفة العداء لمصالح وطموح الشعوب العربية ولا ينفي دعمهما الدائم للاحتلال الاكثر ايذاءً لمشاعر العرب والمسلمين في فلسطين ولا ينفي عنهما تخريب العراق وإذكاء الطائفية فيه .

لكنه متحرك سياسي يجب التعامل معه لمن يرغب في العمل السياسي والمنافسة على تشكيل حكومات , والحزب طامح وهذا حق مشروع له , طالما ان سبيله لذلك مشروع وعبر صناديق الاقتراع ووفق برامج واضحة وغير ملتبسة او حجم المخفي فيها اكثر من المعلن .

الاحزاب السياسية المنبثقة من رحم جماعة الاخوان المسلمين تبدي مهارة فائقة في قبول التعددية السياسية , رأيناها في مصر وتونس والمغرب , وبالضرورة كانت موجودة في الاردن وان كانت خجولة من خلال لجنة التنسيق العليا لاحزاب المعارضة او انها لم تدخل بعد في مختبر التجربة العملية , وهي مؤشر مقبول نسبيا على قبول جبهة العمل الاسلامي الاردنية للتشارك مع الاخرين .

يبقى قرار الحزب في دائرة التفكير وفي دوائر صنع القرار الحزبي , على امل ان يفتح صفحة جديدة في سلوك الحزب السياسي برفض سلوك المقاطعة لانه عدمي تحديدا في الساحات المحلية , وينفي الشكوك بأنه محاكاة لتجارب احزاب عربية او بتطرف اكثر اعلان الشراكة والعودة الى الحاضنة الامريكية والبريطانية حسب المحكي تاريخيا من خصوم الجماعة , فحراك الاحزاب الاسلاموية الجديدة يدور حوله حوار ساخن خلال الربيع العربي , ينصب معظمه على هذه التفصيلة تحديدا .

القبول بالتعددية السياسية على اهميته ليس هو نقطة الارتكاز فقط بل ثمة نقطة اكثر اهمية واكثر تطمينا لجماهير عريضة ما زالت تتوجس ريبة من الاحزاب الاسلاموية وهي التعددية الفكرية بمجالاتها المتعددة , الثقافية والفنية وباقي المجالات , وعلى الاحزاب السياسية الاسلاموية وتحديدا في الاردن ان تجيب عن هذا السؤال بوضوح ودون التباس او تمويه , فهي قبلت التعديية في السياسة والاقتصاد ولكنها ما زالت ممسكة بنظريتها الشاملة في الفكر ومجاله الحيوي , وهذا ما يدفع كثيرين الى اظهار توجسهم من هذه الاحزاب , خاصة وانها لا تقدم تطمينات واضحة ولا تعلن موقفها دون التباس او غمغمة .

وهذا المجال هو المجال الاكثر حيوية والاكثر كشفا لمفهوم وسلوك قبول التعددية وبأن هذه الاحزاب خرجت من اطارها الشمولي الى اطارها التعددي القابل بالآخر والقابل لمفهوم تداول السلطة وانتقال الحكم بأمانة ويسر خلال انتخابات قادمة , فالذاكرة ما زالت تحفظ ان فوز الاسلاميين بالحكم؛ يعني دفن صناديق الاقتراع وحرقها الى غير رجعة .


المراجع

مكتبة الجامعة الأردني

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور