زهير سالم* 
 
العداوة للحركة الإسلامية والعداوة للإسلام هل هما متلازمان؟ أعلم أن الكثيرين من أبناء الحركة الإسلامية، على اختلاف فصائلها، وانطلاقا من شعورهم بالتوحد مع الإسلام سيجيبون على هذا السؤال بالإيجاب. بل إن بعضهم لا يتصور أن غير ذلك يمكن أن يكون.
وأعلم أيضا أن الكثيرين من أعداء الحركة الإسلامية هم في حقيقتهم أعداء للإسلام، وأن هؤلاء وجدوا في الحركة الإسلامية بأشخاصها أو سياساتها منفذا للتعبير الصريح أو المبطن عن العداوة الأصلية التي يضمرونها أو يكبتونها للإسلام. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)
وبين أولئك وهؤلاء هناك شرائح عريضة من المسلمين تحتفظ بتصورات نقية وحبيبة عن الإسلام وصدقيته وعظمته، كما تمتلك ولاء غير محدود لعقائده وقيمه وشرائعه.
 
ولأمر ما استقرت صورة مغلوطة عن الحركات الإسلامية في أذهان هؤلاء. بعضها تولد عن نجاح السياسات الإعلامية الممنهجة والمعادية للحركات الإسلامية، والتي يعمل على تغذيتها: مكر الليل والنهار. وبعضها تولد عن تجربة سيئة. أو أنموذج سلبي، أو موقف شخصي.. كل ذلك مما ينبغي أن يُتفهم ويستوعب ويوضع في إطاره الصحيح.
من الضروري كذلك أن نميز في صياغة العلاقات وتحديد المواقف بين المجاهر بالعداوة وبين المنتقد والمخالف والمجانب. في كثير من الأحيان تسمع من أبناء الحركة الإسلامية من يصب نار غضب على كل من ينتقد موقفا، أو يعيب سياسة، مصيبا كان أو مخطئا. بل رحنا نسمع ونقرأ من يتناول شخصيات إسلامية معتبرة لمجرد أن عالما وجه توجيها يخالف رأيا يعتبره صاحبه الصواب الذي لا يجاوزه صواب.

 

ومع أن أصل الرسالة في هذا المقال ليس لأبناء الحركة الإسلامية، فإن المقام يحتمل أن يُقال لهم فيه: فوّضوا للناس اجتهاداتهم، واقبلوا منهم قليلهم، وشجعوهم على محبتكم، وأعينوهم على حسن الظن فيكم، واعذروهم فيما غاب عنهم أو جاز عليهم من أمركم. ليس من الحكمة في شيء أن يسارع المرء إلى كسب العداوة، أو تكريسها. تجد البعض إذا خالفهم الرجل في رؤية أو فهم أو موقف إن كان في السياسة نبذوه بأنه عالم سلطان، وإن كان في الاجتماع وسموه برقة الدين، وإن كان في الاقتصاد تتبعوه على أنه ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا...

 

ثم إنه من حق الإسلام على خاصة أهله وعامتهم أن لا يشخصنوا علاقتهم به. وأن يجعلوا هذه العلاقة بالإسلام العقيدة والشعيرة والشريعة متسامية دائما عن العلاقة بشخص أو حركة أو حزب. بل ينبغي أن يظل الولاء للإسلام متحررا من عقد الشخصانية ومتطلباتها. بعض الناس ما تزال بهم الكراهية والبغضاء حتى تستزلهم على طريق الشحناء إلى حيث لا يريدون. فينتقلون من انتقاد الشخص أو الهيئة إلى انتقاد العقيدة أو الفكرة، فيقعون في الإثم الأكبر.

 

أصحاب سلطان ووزراء وكبراء وساسة ومفكرون وكتاب ومحللون ما يزال بهم اللدد في الخصومة، واللجاجة فيها حتى يخرجوا من كراهية الشخص والحزب والحركة إلى كراهية العقيدة التي يمثل هؤلاء والدعوة التي يدعون إليها. وهذا هو الأمر الذي لا نريد. نعم لا نريد، ولا نرضى أن يُكفر بالله، ولا أن يُعصى الله، ولا أن يزلّ أبعد الناس عنا في جنب الله.
ومقتضى هذا الكلام ما نتابعه على الساحتين السياسية والفكرية من أشخاص نظن بهم الخير، ونحتسبهم على الإسلام وأهله، وننتظر منهم أن يميزوا بين الإسلام دين الله الحق، وقيمه في العدل والحرية وبين بغضهم لأشخاص يظنون فيهم السوء. ويحسبونهم منافسين على لعاعات دنيا. أو مزاحمين على مكانة أو سلطة..

 

ويلقي آخرون بإظهار العداوة للذين آمنوا حبال المودة لغير المؤمنين يبتغون عندهم العزة تذكروا فقط أن (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
لايهمكم أمرنا بل نحن يهمنا من أمركم أن تكونوا دائما في جنب الله وأن تحذروا مشاققة الله ورسوله وأنتم لا تشعرون (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.)
     
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

المراجع

odabasham.net

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع