{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الحج77
المعاني المفردة][1][
وَاعْبُدُوا: العبادة: ما أمر الله النّاس أن يتعبدوا به مثل الصيام والحج.
الْخَيْرَ: والخير كلمة عامة تشمل كل أوامر التكليف.
لَعَلَّكُمْ: لعل كلمة للترجية فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة من تقصير وليس هو على يقين من أن الذي أتي به هل هو مقبول عند الله تعالى، والعواقب أيضاً مستورة «وكل ميسر لما خلق له».
تُفْلِحُونَ: الفلاح الظفر بنعيم الآخرة. الظفر بالمطلوب.
الإعراب][2][
اركعوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل. واسجدوا: عطف على اركعوا واعبدوا ربكم عطف أيضاً. وافعلوا الخير: عطف على ما تقدم. وجملة لعلكم تفلحون: حال من الواو في اركعوا وما عطف عليه أي افعلوا هذه الأمور حال كونكم راجين الفلاح.
المناسبة][3][
قال البقاعى: ولما أثبت سبحانه أن الملك والأمر له وحده، وأنه قد أحكم شرعه، وحفظ رسله، وأنه يمكن لمن يشاء أيّ دين شاء، وختم ذلك بما يصلح للترغيب والترهيب، وكانت العادة جارية بأن الملك إذا برزت أوامره وانبثت دعاته، أقبل إليه مقبلون، خاطب المقبلين إلى دينه، وهم الخلص من الناس، فقال: {يا أيها الذين آمنوا...}
في ظلال النداء
إنه – سبحانه - يبدأ بأمر الذين آمنوا بالركوع والسجود . وهما ركنا الصلاة البارزان . ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة، وحركة ظاهرة في التعبير ، ترسمها مشهداً شاخصاً، وهيئة منظورة . لأن التعبير على هذا النحو أوقع أثراً وأقوى استجاشة للشعور .
ويثني بالأمر العام بالعبادة. هي أشمل من الصلاة. فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل وكل حركة وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله. فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله . حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات . وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها، وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات ، ولم يتحول في طبيعتها شيء، ولكن تحول القصد منها والاتجاه!
ويختم بفعل الخير عامة ، في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة . يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح . فهذه هي أسباب الفلاح . . العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل . وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة ، الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه .
فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله واستقامة الحياة ، فاستقام ضميرها واستقامت حياتها . . نهضت بالتبعة الشاقة . .
هداية وتدبر][4][
1.     يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله ارْكَعُوا لله فـي صلاتكم وَاسْجُدُوا له فيها، وقيل: كان الناس أوّل ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود. وقيل: المراد الأُمر بالخضوع لله. وذكر من الصلاة الركوع والسجود؛ { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } وذلوا لربكم، واخضعوا له بالطاعة، وقيل: اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله. {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} الذي أمركم ربكم بفعله. عن ابن عباس صلة الأرحام ومكارم الأخلاق. لتفلحوا بذلك، فتدركوا به طَلِباتكم عند ربكم.
2.     دعا المؤمنين أولاً إلى الصلاة التي هي ذكر خالص، وخصّ الصلاة لكونها أشرف العبادات، ولأنهما أظهر أعمال الصلاة، ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحجّ والغزو، ثم عمّ بالحثّ على سائر الخيرات.
3.     الصلاة نوع من أنواع العبادة والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة على الفقراء وحسن القول للناس، فكأنه سبحانه قال كلفتكم بالصلاة بل كلفتكم بما هو أعم منها وهو العبادة بل كلفتكم بما هو أعم من العبادة وهو فعل الخيرات.
4.     الفلاَح يكون في الدنيا لمن قام بشرع الله والتزم منهجه وفعل الخير، فالفَلاح ثمرة طبيعية لمنهج الله في أيِّ مجتمع يتحرك أفرادُه في اتجاه الخير لهم وللغير، مجتمع يعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وعندها لن ترى في المجتمع تزاحماً ولا تنافراً ولا ظلماً ولا رشوة.. الخ هذا الفلاح في الدنيا، ثم يأتي زيادة على فلاح الدنيا فلاح الآخرة.
5.     قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَنْ تركها فقد كفر». ويقول: «الصلاة عماد الدين».
لطائف
6.     لعل أداة للترجي، وهو درجات بعضها أرْجى من بعض، فمثلاً حين تقول: لعل فلاناً يعطيك، فأنت ترجو غيرك ولا تضمن عطاءه، فإنْ قلت: لعلِّي أعطيك. فالرجاء - إذن - في يدك، فهذه أرجى من سابقتها، لكن ما زلنا أنا وأنت متساويين، وربما أعطيك أولاً، إنما حين تقول: لعل الله يعطيك فقد رجوْتَ الله، فهذه أرجى من سابقتها، فإذا قال الله تعالى بذاته: لعلي أعطيك فهذا أقوى درجات الرجاء وآكدها؛ لأن الوعد من الله والرجاء فيه سبحانه لا يخيب.
7.     أمروا أولاً بالصلاة وهي نوع من العبادة. وثانياً بالعبادة وهي نوع من فعل الخير. وثالثاً بفعل الخير وهو أعم من العبادة فبدأ بخاص ثم بعام ثم بأعم.
8.     ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا مجاز مرسل، من إطلاق الجزء على الكل، أي صلوا باعتبار الركوع والسجود من أهم أركان الصلاة.
                   
[1]. مفاتيح الغيب، التفسير الكبير/ الرازي. التحرير والتنوير/ ابن عاشور. خواطر محمد متولي الشعراوي.
[2]. إعراب القرآن وبيانه/ محي الدين درويش.
[3]. الحَاوِى فى تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ/ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَمَّاش.
[4]. جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري. الكشاف/ الزمخشري. فتح القدير/ الشوكاني. تيسير التفسير/ اطفيش. خواطر محمد متولي الشعراوي. النهر الماد/ الأندلسي. التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهج/ الزحيلي.

المراجع

odabasham.net

التصانيف

مصطلحات دينية  أدب