حسم الملك في لقائه التلفزيوني امس ,اولويات المراجعة الوطنية الشاملة , مؤكدا ان الاولوية للاصلاح السياسي الذي سيقود الى الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي , معيدا الاعتبار الى السياسي بوصفه جذر الاصلاح وقاعدة انطلاقه ,من خلال الالتزام الملكي بتشكيل الحكومة البرلمانية من الكتل البرلمانية , رابطا عمر الحكومة بعمر المجلس الذي يجب ان يكمل عمره الدستوري ما دامت الحكومة محافظة على ثقة البرلمان وثقة الشارع .
الملك بذلك يكون قد انهى جدل عمر الحكومات القصيرة وانهى جدل عمر البرلمان ايضا , فالكرة الان في ملعب الاحزاب السياسية والقوى الاجتماعية كي تبادر منذ الان لترتيب اوراقها وتحضير ملفاتها وبرامجها لحمل امانة المسؤولية , فشكل الحكومة بات معروفا وحتى اسم الرئيس يمكن التكهن به منذ اليوم الاول من عمر البرلمان المقبل , الذي يعول عليه الملك والاردنيون الكثير من اجل المستقبل السياسي الوطني .
الاصلاح المنشود مرحليا يعني اطلاق العنان لمزيد من الاصلاحات , فالمطلوب تراكم الثقافة الديمقراطية , وتعزيز قيمة الحوار كمخرج وحيد لتحقيق التوافق الوطني وعدم استثمار اللحظة لاجندات حزبية او مصالح شخصية , فلا يمكن ان يستحوذ لون سياسي او طيف حزبي من خلال استثمار اللحظة الراهنة على المشهد وإلغاء الالوان السياسية والشعبية الاخرى .
الملك من جديد يؤكد ضمانته لحق الاختلاف والمعارضة الوطنية , التي تتلمس حاجات المواطن وتكشف بواطن الخلل , وأكد مجددا على انه يقف على مسافة واحدة من الجميع وانه للجميع , مطالبا القوى السياسية وخاصة الجماعة الاخوانية وذراعها السياسية بالمشاركة في الانتخابات المقبلة , فلا حدود للاصلاح ولا خوف من لون سياسي اردني مهما كانت مرجعيته السياسية , طالما انه يتحرك وفق المنظومة القانونية الاردنية .
جرأة الملك في الزحف على بواطن الخلل وتقزيم الاقصاء او التهميش , نابعة من فلسفة هاشمية في الحكم تربط بين القدرة والرغبة على العفو والتسامح وليس القدرة على القمع , وليست نابعة من هواجس تسود الاقليم , فتدخّل الملك لتعديل المسار الاصلاحي ليتواءم مع نبض الشارع وحراكه المطلوب والمقدر كان لتصويب المسار الرسمي الذي عانى من غياب الثقة في قدرة المؤسسات الرسمية على رعاية مصالح الناس كما قال الملك وعانى من سوء توزيع الموارد على المحافظات للقضاء على الفقر والبطالة ورفع مستوى الخدمات .
المنجز الاصلاحي قياسا بالفترة الزمنية انجاز يؤهل الساحة الاردنية للولوج الى بوابة الديمقراطية الواسعة , فنقابة المعلمين وقوانين الاحزاب والمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب كلها مطالب للقوى السياسية والاجتماعية , وقد تم تجاوز المطلوب الى ما هو اكثر؛ فثلث الدستور جرى تعديله رغم ما كان يقال عن استحالة فتح مواده , واصرار بعض القوى على رؤية النصف الفارغ من الكأس يشي بأنها تريد المغالبة السياسية والاستقواء على الظرف الاردني بمتغيرات الاقليم واوجاع الناس من الظروف الاقتصادية .
باب السياسة شُرِّعت ابوابه لكل التطورات المنتظرة بعد اعلاء ثقافة الديمقراطية وقيمها , كما ان اعادة قراءة الاوضاع الاقتصادية والبرامج السابقة مفتوحة ايضا , فالخصخصة ستخضع لمراجعة من خبرات محلية ودولية والفساد لم يعد محصّنا الا بذهن الراغبين في الالتصاق بالماضي البليد .
هيبة الدولة مصونة بالقانون وسيادته ووعي الاردنيين بهويتهم الوطنية وتاريخهم المشرّف , والتجاوز على القانون لم يعد محمولا , واستغلال سعة صدر الدولة واجهزتها لم يعد مقبولا ولا ممكنا , فهيبة الدولة حق مجتمعي ووطني وليست ملكية فردية لحزب او فئة .
لقاء الملك اكد استمرارية الضمانة الملكية للاصلاح وجديتها , وانها فلسفة حكم ونهج مستدام وليس مرحلة عابرة للجغرافيا الاردنية او نسمة ربيع هبّت على الوطن من جنباته الاقليمية , وعلى الجميع التقاط اللحظة وتحضير برامجه للاختبار في مختبر الشعب المقبل على صناديق الاقتراع قبل نهاية العام ومن ستفوته القاطرة سيخسر كثيرا ولا مصلحة للدولة في خسارة اي طيف سياسي او مكون شعبي.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور