اختزال الاصلاح ومسيرته بقانون الانتخاب تقزيم لكل منظومة الاصلاح وسيرورتها , فالانتخابات وقانونها تعبير او تتويج للاصلاح وليس كل العملية الاصلاحية , وجرّ الشارع والحكومة ومؤسسات الدولة الى التفكير او سلوك هذا المسلك فيه تقزيم لكل منظومة الاصلاح .
التركيز على قانون الانتخاب وحصره في هذا المأزق , يعني ان كل الادوات الاصلاحية والخطوات المقطوعة تساوي صفرا في المحصلة الشعبية , وهذا يعمّق الازمة الشعبية ويرفع منسوب الاحتقان الى اعلى درجاته , وينسحب على سلوك الافراد غضبا وضيقة خُلق , ولعل ما يجري في جامعاتنا ومحافظاتنا من تعبيرات غاضبة وغير مفهومة تعبير عن هذه الصورة المقلوبة او المختزلة .
فالظلم ان تكون مسطرة القياس للعملية الاصلاحية , قانون الانتخاب , والظلم الاكبر ان يكون الحكم على قانون الانتخاب على اساس عدد اصوات الناخب في الدائرة الفردية , والقفز عن بناء قانون الانتخاب من جديد وفق نظام مختلط وليس نظام الصوت الواحد , فهذا البناء الجديد , عانى من أزمتين , الاولى انعدام التثقيف الشعبي بتغيّر النظام كليا , وهذه مسؤولية الحكومة من خلال وزارة التنمية السياسية , والثانية غياب السياسيين المحترفين القادرين على شرح النظام الجديد وفك الارتباط تماما مع الصوت الواحد .
فلم يجرِ التعامل مع الاصلاح بوصفه حزمة متكاملة , ونجحت تيارات حزبية وقوى اجتماعية مسكونة بهواجس الاصلاح وتداعياته على مصالحهم , بجرّ المجتمع الى التفكير بهواجسهم واجندتهم , وحصر المنجز او الحكم عليه من زاوية نظرهم فقط .
ما حدث قفزة مهمة كان يمكن ان تكون اكثر جرأة في الفضاء الاصلاحي ولكنها ليست سيئة كما تصف تلك القوى السياسية واعوانها ممن يفترضون انهم الاقدر والاجدر على فهم الشارع الشعبي ونبضه , ولو امتلك الشارع استراحة قصيرة لقرأ ما جرى بعين اللحظة الاردنية , وكشف هشاشة منطق تلك القوى , فمن يثق انه يعبّر عن الناس ويمثلهم لا يخشى ان يخذلوه الناس عند صناديق الاقتراع ولما خشي ان يبدأ بأضعاف ما كان يحلم به قبل سنتين على الاكثر .
لذلك تسعى تلك القوى الى اشعال المزيد من الحرائق في المجتمع , تارة في الجامعات وتارة في المحافظات , مرة لانقطاع المياه عن حي ومرة لعدم وصول الكهرباء ولا ندري غدا في رمضان الكريم ماذا ستكون اسباب قطع الطرق واشعال الاطارات , وهل سيكون تأخر الاذان في شهر تموز سببا لانفعال جماعة او حي او طلبة جامعة؟ ادوات الرافضين للمسافة المقطوعة على طريق الاصلاح واضحة , وهي التأزيم ثم التأزيم , في حين ان ادوات الدولة ما زالت ملتبسة ومتعددة المرجعيات , ولا يوجد فريق عمل يجمع الخيوط وينظمها في ابرة واحدة بدل كثرة الخياطين في المؤسسات الرسمية وكل واحد منهم يلظم خيطه في ابرة ويخيط كما يريد , تارة يرقع هنا وتارة يرقع هناك , حتى بات الثوب الاصلاحي مليئا بالرقع ومتعدد الالوان دون تناسق .
لا نملك رفاه الوقت ولا فسحة الانشغال بإطفاء الحرائق المتناثرة هنا وهناك , ولا ترف التنظير عن الامن الناعم والامن الخشن , وعلينا اختيار سلوك واضح في الاداء يعتمد الامن الوطني الرافض لاي مساس بهيبة الدولة والممتلكات العامة , وشرح خريطة الطريق الاصلاحي بوضوح وضمن جداول زمنية ملزمة للجميع , وتوضيح ان هذه الحزمة عمرها اربع سنوات ومن بعدها نراكم على الاصلاح , فالاصلاح عملية تدريجية وعدالة انتقالية , وعلى الراغب بالانضمام الى قاطرة الاصلاح ان يركب القاطرة ومعه برامجه وخططه , ولا يسمح بالجلوس على الارصفة والشوارع لقول لا فقط ويتبعها بعد ذلك بـ “لا” اخرى .
رمضان يطرق الابواب , وفيه رحمة كما فيه انفعال وغضب وعلينا حسم القضايا قبل ولوجه موائدنا وشوارعنا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور