بَدأ العد التنازلي لمرحلة جديدة ، و ليس للانتخابات النيابية ، التي ستكون حدثاً تاريخياً ، و الاحداث تكتسب تاريخيتها من معادلة ما قبل الحدث و ما بعده ، فما يلي الانتخابات البرلمانية اكثر دلالة مما قبلها ، على شدة اهمية المرحلة التي افرزت اجراء انتخابات برلمانية مبكرة .
فالانتخابات ستعيد الاعتبار لآلية تشكيل الحكومات ومعرفة لونها و برنامجها ، و الثقة ستكون على برنامج تقدمه حكومة تعرف ان عمرها مربوط بحسن ادائها فقط و قدرتها على المحافظة على ثقة المجلس النيابي ، و الثقة لن تكون ايضاً مصلحية ، او عبر موانة شخصية مربوطة بتبادل منافع خدمية او سياسية .
فما قاله الملك في حواره مع الوكالة الفرنسية ، يعني بمجمله تجويد مخرجات العملية السياسية و مدخلاتها ، ومن هنا الحديث عن تاريخية الانتخابات المقبلة ، فهي لا تعني تجويد العملية الانتخابية فقط بل تجويد السياسة الاردنية الداخلية ، لانها ببساطة تطلق افاق الطموح و الامل لدى جيل اردني كامل يستطيع منذ الان ان يرسم مستقبله السياسي و سنسمع لاحقاً أن طالبا في مدرسة ثانوية يعلن ان طموحه ان يكون رئيس الوزراء فهو يعرف الطريق لهذا الطموح جيداً .
الخطوة الاولى لتحقيق حلم اللحظة الوطنية السابقة للانتخابات النيابية ، تتطلب التسجيل لضمان المشاركة و الحضور في المشهد السياسي ، و ضرورة العمل على ترتيب الاوراق السياسية لتحديد البرنامج و التواصل مع القواعد الانتخابية و ترك الشارع لمن يودّ البقاء على جنباته و تالياً على ارصفة الحياة السياسية .
نذكر فقط بأن خطيئة تيارات سياسية مصرية و تونسية كانت البقاء في الشارع ، فيما ذهب آخرون الى القواعد البشرية للعمل و التجهيز ، فنجح من ترك الشارع للعمل و التحضير في قطف الثمار ، فيما خرج اصحاب الهتاف الشارعي من المولد بلا حمص .
لا أود الخوض في مقابلة الملك الآن او في هذا المقال بقدر ما اود التأسيس لقراءة المقابلة بعقل سياسي واع ، فهي الثانية من المقابلات التي تعيد ترسيم اللحظة السياسية و تعكسها برامج على الارض و جدول زمني محدد وواضح ، اي ان الاصلاح اصبح لحناً وطنياً و ليس مجرد نغمة ، و معروف ان اي شخص يستطيع ان يقوم بحركة تصدر نغماً على آلة موسيقية و لكن من يستطيع القيام ، بنغمة ثانية هو من يستطيع العزف , و السياسة ايقاع و حركة اي موسيقى حياتية .
اللحن الاردني واضح ان نوتته السياسية مكتوبة و تنتظر قائد الاوركسترا « اي رئيس الحكومة « او صاحب الائتلاف النيابي الاكبر .
المرة الثانية في اقل من اسابيع قليلة ، يقول الملك بوضوح بأن اللحظة القادمة ، لحظة بداية العمل لتحقيق طموحات الشارع و ليس البقاء في الشارع ، ويقول للاردنيين بأن الانتخابات بداية النوتة السياسية ، بعد ان يكمل الاردنيون مراسم التسجيل و كتابة اسمائهم على قائمة الانتخابات ترشحاً او انتخابا .
و الصفحة التالية من النوتة هي اختيار الانسب و الاقدر و الذي يحمل برنامجاً واضحاً و بجدول زمني لدورة برلمانية كاملة و الاهم ان هذا المرشح قد يكون الوزير او رئيس الوزراء المعني بتنفيذ البرنامج ، لذا وجب التمحيص و التدقيق قبل وضع الورقة في صندوق الاقتراع .
زمن الشعارات انتهى و بدأ زمن التنفيذ ، و كل لافتة انتخابية قادمة او برنامج انتخابي ، يجب ان يتحدث بوضوح و بحزمة برامجية لها سقف زمني ، عن القضايا الوطنية من اقتصاد و سياسة و طاقة و تشغيل و رياضة و طفولة و باقي المواضيع التي تهم المواطن الاردني .
و لم يعد مسموحاً او مقبولاً ان يتقدم للترشح صاحب شعارات فقط .
حديث الملك الى وكالة الانباء الفرنسية و قبلها الى محطة التلفزة الامريكية ، يؤكد مدى الالتزام بالانتقال الى المرحلة الثانية من الطور الاصلاحي الاول و بعدها سيتم الانتقال من طور الى طور جديد قوامه البرلمان الحزبي او البرلمان المختلط و حكماً الحكومة الحزبية البرامجية ، حيث سينتخب الاردنيون حكومتهم و ليس فقط برلمانهم و على الجميع ان يتدرب و يستعد لهذه المرحلة التي لن ينفع فيها قليل الخبرة او قليل اللياقة الوطنية و البرامجية , فالبقاء في الشارع و المسير فيه تصلح لرفع اللياقة البدنية و لكنها لا تصلح ابداً لرفع منسوب اللياقة السياسية على أمل الرشاد للجميع .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور