يبدو ان غزة اصبحت عنوانا سياسيا وبوابة خلفية للاتصال مع الاسرائيليين دون تبعات سياسية , فلا يمكن عبور معبرها دون موافقة اسرائيل ولا يمكن ادانة الزيارة في ذات الوقت , فالحصار يغسل ادران الاتصال , وانسانية الحالة الفلسطينية تجعل منها طريقا لغسل الاثام السياسية .
خلف لافتة الزيارة الانسانية هناك خطر داهم يبدأ من تكريس حالة الانفصال وتمزيق الوطن الفلسطيني , واخطره منح اسرائيل هدية سياسية بعزل الضفة الغربية وفتح شهية اعادة ضمها للاردن وفقا لاي صيغة فدرالية او كونفدرالية , فجميع الحلول المطروحة الان ومن اطراف فلسطينية ونخب عربية تفضي الى اسقاط حلم الدولة الفلسطينية الموحدة وإقتصارها على غزة فقط .
ليس من نافلة القول ان هذا هو الامل الاسرائيلي حتى قبل معاهدة السلام , فتدويل غزة او جعلها على هيئة دولة , يعني دخولها خانة العمل السياسي , وتفكيك منظومة الصواريخ العابرة سماء اسرائيل سواء صواريخ الغراد او الجراد الليبي , والتي تسقط في غياهب الصحراء او تلك الصواريخ التي تشبه الالعاب النارية والتي تسقط على المستعمرات والمناطق المأهولة , فالفدولة لا تعترف بالمقاومة بل تعترف بالسياسة والمفاوضات .
فجأة يستيقظ الضمير العربي والاقليمي على حصار غزة , كما استيقظ الضمير الامريكي والاوروبي بعد الانفصال عن الضفة , فبدأت الاموال تصل الى الضفة والتبرعات الى غزة , والفرق شاسع بيت التبرعات والاموال , فهناك منطقة منكوبة في القطاع , وهناك سيادة منقوصة في رام الله , ويجب دعم السلطة الوطنية للحفاظ على الضفة الغربية من التفكك , فالجوار الجغرافي لا يحتمل مغامرة حمساوية او شبه انفصال وغياب السلطة في الجوار الاسرائيلي , اما التبرعات فهي كافية لتحويل المواطن الى سلعة مطلوب ادامة حياتها وليس بالضرورة تطويرها .
بركات الانفصال او الاقتتال او الانقلاب او الحسم , بدأت تظهر وكأنها بداية التجريب العملي للفوضى الخلاقة , قبل ان يدخل الوطن العربي وتحديدا دول الجوار الفلسطيني في حالة الفوضى الخلاقة وتكبير النموذج الحمساوي على بلد بحجم مصر , اثبت انه قابل للتجسيم , فالمصالحة التاريخية مع الاسلام السياسي دخلت حيز التنفيذ وتجميع الجهادية الاسلامية وتحويلها الى قوات محمولة قابلة لعبور الحدود واقع تنفيذي , فهذه طلائع الفوضى وتفكيك اعصاب الدولة ويأتي بعدها مرحلة التركيب في واقع ممزق , يحتاج في توحيده الى خطاب يوازن بين الدين والدنيا في انتظار فرج الله .
ما يجري في قطاع غزة , يثير ليس الشكوك فقط بل ويدفع الى الاتهام المعلن , بأن تجريف المقاومة بكل اركانها , قد بدأت فعلا , بقبول من المقاومين الجدد والقدامى , وان دخول القضية الفلسطينية اجواء الفضاء الانساني بات محسوما , من دعاة الحقوق المنقوصة الى دعاة التوجه الى غزة واعادة احياء الفدرالية والكونفدرالية في الضفة ولا مانع من الالحاق .
المهم ان ينفرد البساط الاحمر ويعاد فتح مطار غزة لاستقبال الوفود والزعماء , واخرها اقتراح تركي او احتمال تركي ان يقوم اردوغان بزيارة غزة وبصحبته محمود عباس اي زيارة لها شكل جاهة الاعتراف , وبعدها ينتقل عباس الى غزة كرئيس للدولة الغزاوية الموحدة , برئاسة عباس ووزرنة هنية , وبذلك تصبح الضفة خالية من الوجود السياسي والدسم السلطوي , ولربما لهذا السبب جاءت انتخابات المجالس البلدية في الضفة حتى توفر قيادات محلية خدمية تمهيدا لزوال السلطة السياسية .
ما يجري من خطوات سياسية حيال غزة واستثمار الحصار الانساني لتسوية سياسية مشفوعة بقبول مصري وتأشيرة اسرائيلية للدخول , يعني ان القضية الفلسطينية انحصرت وانحسرت في غزة فقط وهذا هو مشروع رابين وغيره من قيادات الكيان العبري منذ سنين وقد جاءت اللحظة للتنفيذ .
ولكنْ ثمة إغفال لحقيقة ساطعة , مهما انتحل الثعلب فهو ليس بظبي , ومهما لبست البوصة من ملابس فلن تكون عروسة , وهذه حال غزة , فمهما زارتها الوفود ومهما ارتفعت المستويات ستبقى , قطاعا لا دولة , والاف الشهداء والمعتقلين والجرحى لن يصبحوا مقرات سياحية على شواطئ غزة , فلاشعب يريد دولة مستقلة موحدة وليس نموذجا تجريبيا , يعلن الدولة على انقاض الوطن الفلسطيني .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور