أولاً: معنى الشائعة
قال في >المعجم الوسيط< الإشاعة: الخبر ينتشر غير مثبت منه.
والشائعة: الخبر ينتشر ولا تثبت فيه.
وهذا المعنى كاف في بيان المقصود بهذه الكلمة أو الظاهرة محل الدراسة.
ثانياً: الأوقات التي تكثر فيها الشائعات
تكثر الشائعات في أقوات ومناسبات متعددة أهمها:
1- في أوقات الفراغ.
فعندما لا يجد بعض الناس ما يشتغل به يشغل نفسه بتلقي الأخبار ونشرها دون تثبت منها.
2- عند الأحداث المستجدة.
وهنا تكثر عادة الأقاويل والتحاليل ويقول من شاء ما شاء دون تثبت ولا تروٍ.
3- عند المحن والشدائد.
في مثل هذه الأوقات تضعف نفوس كثيرة وتهتز أما المحنة وتنطلق الألسنة تتحدث دون حدود ولا ضوابط.
4- عند الهزائم والتراجع في المواقف.
وهنا يحاول الناس التعرف على أسباب الهزيمة فتكثر الأقاويل وتتلقف الآذان كل ما يقال ويذاع كثير مما يسمع وبدون تأكد ولا تثبت.
5- عند النصر أو الشهرة لفكرة ما أو لشخص ما.
وهنا تنطلق الألسن بالثناء والمديح الذي كثيراً ما يتجاوز حده وكثيراً ما ينسب للظافر من الخير ما لا يفعله بل وما لا يؤمن به أحياناً ورحم الله القائل.
6- في أجواء الخلاف.
وفي مثل هذه الأجواء ينشط أهل الأهواء والمرجفون لتمييع المواقف واستغلال الخلاف لتوسيع الشقة بين الأطراف المختلفة كما يحاول كل طرف في الخلاف ـ إلا من عصم الله ـ أن يتلقف خبراً يؤيد به موقفه ويضعف به موقف الآخرين. وتتقبل النفوس في مثل هذه الأجواء كثيراً من الأخبار والشائعات دون أدنى تثبت.
7- في أجواء الظلم والاستبداد.
وهنا يحاول الناس أن ينفسوا عن ضيقهم وكبتهم فتوجد الشائعات وتنتشر في الخفاء ـ غالباً ـ ويعسر التثبت في أجواء الظلم من كثير من الأخبار والأقاويل التي يتناقلها الناس.
8- في أجواء ضعف القيادات والإدارات.
عندما تكون القيادة المشرقة على عمل ما ضعيفة تتسيب الأمور وتتشتت الآراء وتكثر الأقاويل ويشعر كل أحدٍ أو أكثر الناس أن من حقهم أن يقولوا بل ومن الواجب أن يسمع لهم فيكثر اللغط وتزداد الشائعات في صفوف الناس ويصعب السيطرة عليها ما لم يتغير الحال وتوجد القيادة الحكيمة القوية.
9- عند قومٍ في دينهم رقة.
وهنا لا يسأل الإنسان نفسه عن أقواله ومواقفه ولا يخاف من حساب الله على درب لسانه، فتنتشر الإشاعات وغيرها مما لا ينبغي أن يوجد في المجتمع الإسلامي الملتزم بأخلاقه وآدابه.
10- في المجتمعات البدائية المتخلفة.
ومثل هذه المجتمعات تصدق كل ما يقال وتذيعه كخبر جديد لم تسمع به من قبل، ولعلها تحاول النهوض والتحضر بمثل ذلك.
ثالثاً: موقف المسلم من الشائعات
إن المسلم الحق ينطلق في جميع مواقفه من أصالة إسلامه وآداب دينه ومن الموازين الإسلامية الثابتة في كتاب الله تعالى وهدي رسوله. وبناء على ذلك فعلى المسلم أن يراعي في موضوع الشائعات الآداب الإسلامية التالية:
1- الإعراض عن اللغو من الكلام.
قال الله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما}([1]).
وقال تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه}([2]).
وقال تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون}([3]).
ولا شك أن الشائعات من لغو الكلام الذي لا يليق بالمسلم الإصغاء إليه ولا السكوت عليه فضلاً عن نشره وإذاعته بين الناس.
2- التثبت من الأخبار قبل قبولها وإذاعتها.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبو قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}([4]).
فالفاسق خبره مرفوض وكذلك مجهول الحال الذي لا يعلم عدالته ولا فسقه فلا يجوز الأخذ بخبره حتى يتبين حاله وتعرف حقيقته وإن أكثر الشائعات تُتناقل بين الناس ويُروج لها دون التثبت من مصدرها بل ودون النظر إلى قائلها والمتحدث بها. فتجد الناس يتحدثون بسمعت كذا وكذا ولو سألتهم: من الذي قال هذا؟ وعمن نقله؟ ومن هو صاحب الخبر الأول في القضية؟ لو فعل المسلم هذا وتساءل مجرد تساؤل عن هذه الشائعات لتبدد الكثير منها، أو يقف على اليقين مما يقال وعندها ينتهي الإشكال.
وما لم نفعل ذلك فيخشى أن نقع في المحذور الذي نهى الله عنه بقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}([5]) وقال %: كفر المرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع، وفي الحكم المأثورة: لا تسمع كل ما يقال ولا تقل كل ما سمعت.
3- لا يقبل جرح الثقات بغير دليل ثابت.
إن قضية الجرح والتعديل لها شأنها في آدابنا الإسلامية بل إنها علم مستقل بذاته أصّله علماء الحديث وجعلوه ميزاناً يزنون به الناس الذين يؤخذ عنهم هذا الدين. أو لا يقبل قولهم فيه.
ويعد علم الجرح والتعديل مفخرة من مفاخر علوم المسلمين ومعارفهم حيث سبقوا العالم في تأصيل منهج البحث العلمي ووضع الضوابط العلمية للتثبت من الأخبار والتأكد من سلامة الحقائق التي يؤمن به المسلم والشائعات التي يرفضها ويحذر منها.
هذا ومن أهم الأمور التي يجب الوقوف عندها في سياق حديثنا عن الشائعات قضية تجريح الثقات من الناس بناء على شائعات يتناقلها الناس عنهم أو عما يقال عنهم. وهذا أمر خطير يتعلق بأعراض الناس وأخلاقهم ولا يجوز التساهل فيه بحال، وكم زلت في هذا الموقف أقدام وكم حدثت من مآس وكم سقط فيه من رجال ظلماً وعدواناً وتبصراً وبغير قصد وكلا الأمرين هنا سواء من حديث النتيجة، ولذا يجب الحذر والاحتياط للأمر لئلا يقع المحذور.
- والحق في هذا الموضوع أنه لا يقبل تجريح المسلم الذي عرفت عدالته وصدقه بمجرد سماع كلام يجرحه ولو كان هذا الجرح صادراً عن مسلم عدل صادق. بل يجب التأكد والتثبت في مثل هذا الحال. فقد يكون الجارح مخطئاً وإن لم يكن كاذباً. وقد تلعب الحساسيات بين الأقران دورها في هذا المجال مما يضعف حجة الجارح ويجعلها محل شك وريب وعدم اطمئنان.
أما الإسراع إلى التصديق والطعن وبناء المواقف وإشاعة القيل والقال دون تريث ولا تثبت فهذا لا يصلح ولا يليق بالمسلم العدل الفطن فضلاً عن الدعاة والقادة في الدعوات.
إننا لو فعلنا هذا وتثبتنا مما نسمع ومما يقال وفق ضوابط الجرح والتعديل لضاقت الفجوة بيننا ولكلّ الاختلاف في تصوراتنا ولتوثقت الروابط ولخذل الشيطان واندحر كيده بإذن الله.
رابعاً: تطويق الشائعات والقضاء عليها
ويكون ذلك باتباع الوسائل التالية:
1- رد الشائعات إلى أولي الأمر والرأي.
قال تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً}([6]).
هذه الآية الكريمة هي القول الفصل في أمر الشائعات وموقف المسلم منها ولقد تكلم في تفسيرها سيد قطب رحمه الله كلاماً موفقاً فلنعش مع ظلال هذه الآية ولنتأمل دروسها كما فهمها سيد رحمه الله حيث يقول: الصورة التي يرسمها هذا النص هي صورة جماعة في المعسكر الإسلامي لم تألف نفوسهم النظام ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر وفي النتائج التي تترتب عليها وقد تكون قاصمة لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوى الأحداث ولم يدركوا جدية الموقف. وإن كلمة عابرة وفلتة لسان قد تجر على الشخص ذاته وجماعته كلها ما لا يخطر له ببال وما لا يتدارك بعد وقوعه بحال. أو ربما لأنهم لا يشعرون بالولاء الحقيقي الكامل لهذا المعكسر، وهكذا لا يعنيهم ما يقع له من جراء أخذ كل شائعة والجري بها هنا وهناك وإذاعتها حين يتلقاها لسان عن لسان سواء كانت إشاعة من أمن أو إشاعة خوف فكلتاهما قد يكون لإشاعتها خطورة مدمرة.. والقرآن الكريم يدل الجماعة المسلمة على الطريق الصحيح (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منه) أي لو أنهم ردوا ما يبلغهم من أنباء الأمن أو الخوف إلى الرسول % إن كان معهم أو إلى أمرائهم المؤمنين لعلم حقيقته القادرون على استنباط هذه الحقيقة واستخراجها من ثنايا الأنباء المتناقضة والملابسات المتراكمة. فمهمة الجندي الطيب في الجيش المسلم الذي يقوده أمير مؤمن ـ بشرط الإيمان ذاك وحدّه ـ حين يبلغ إلى أذنيه خبر أن يسارع فيخبر به نبيه أو أميره لا أن ينقله ويذيعه بين زملائه أو بين من لا شأن لهم به لأن قيادته المؤمنة هي التي تملك استنباط الحقيقة كما تملك تقدير المصلحة في إذاعة الخبر ـ حتى بعد ثبوته ـ أو عدم إذاعته([7]).
رحم الله سيد وأوسع مقامه في جنات الخلد ما أعمق نظره وأبعد مداركه وما أدق فهمه لاحتياجات الجماعة المسلمة والأخطار التي قد تحيق بها. ألا فليعلم الذين يعيشون دائماً على هامش الأحداث ماذا عليهم وكيف ينبغي أن يفقهوا عصرهم واحتياجاته!!!
2- إشغال الفراغ الذي يعيشه الأفراد والمجتمعات.
إن على المسلم أن يشغل وقته بما ينفع من أمور الدين والدنيا وعلى الجماعة المسلمة أن تشغل شبابها وجنودها كذلك وتقضي على فراغهم وعندها فلن تجد الأمة متسعاً لتلقف الشائعات وإذاعتها.
3- توسيع الشورى والحزم في القيادة.
وهذا أدب إسلامي عظيم وعلى الأمة المسلمة والجماعة المسلمة أياً كان منهجها وفقهها أن تعطيه حقه ودوره العملي. فيوم يشعر الفرد المسلم أن رأيه محترم عند قيادته وأن الشورى تأخذ مداها وأبعادها وأن كل إنسان يقول الرأي الذي يراه بمنتهى الحرية والأدب فعندها لن يشعر أحد بالحاجة إلى التناجي والكلمات الخافتة التي تتبنى الشائعات المغرضة سماعاً وإذاعة. ويوم تحزم قيادة الأمة الإسلامية وقيادة العمل الإسلامي أمرها وتثبت قدرتها على استيعاب جنودها وأفرادها وكافة مؤسساتها ووضع كل رجل في مكانه المناسب عند ذلك لن يبقى دور لأهل الإرهاب ولا لأهل الشائعات بإذن الله.
                   
([1]) سورة الفرقان الآية 72.
([2]) سورة القصص الآية 55.
([3]) سورة المؤمنون الآية 3.
([4]) سورة الحجرات الآية 6.
([5]) سورة الإسراء الآية 36.
([6]) سورة النساء الآية 83.
([7]) في ظلال القرآن الكريم ـ سيد قطب ج2 ص723ـ724.

المراجع

odabasham.net

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع