أكدت الدورة 123  للاتحاد البرلماني الدولي التي أنهت أعمالها في جنيف مؤخرًا عن الحكمة البرلمانية البالغة للدكتور أحمد فتحي سرور – رئيس مجلس الشعب الذي دعا من على منبر الاتحاد إلى الثقافة الديمقراطية الشعبية.وقال إنه يجب تجريم عمليات العنف التى تصحب الانتخابات، ويجب أن تنتشر ثقافة الانتخابات على المستوى الشعبي، وأن يؤمن الأفراد بأهمية صوت كل مواطن مع احترام كامل لحريته واحترام إرادته، داعيًا إلى الشفافية الكاملة فى العملية الانتخابية. فقد عرَفَت الحياة البرلمانية الدكتور سرور منذ عام 1987 نائبًا عن دائرة السيدة زينب ثم  ترأس مجلس الشعب عام 1990، ثم ترأس جميع الكيانات البرلمانية عربيًا وإفريقيًا وإسلاميًا وأورومتوسطيًا ودوليًا.. وأحاول – في عجالة – استبييان واستكناه  أهم ملامح الحكمة البرلمانية  للدكتور سرور .. فالناظر المتأمل للمنهج البرلماني للدكتور سرور , يتبين أن ذلك المنهج يتكون من عنصرين : العلم والصياغة  ... أما عن العنصر الأول وهو العلم ..
 
فقد اختط لنفسه المسلك العلمي الرصين في كافة مناقشاته وسجالاته البرلمانية؛ وهو يؤكد فيها أستاذيته الأكاديمية الفذة في الجامعة ؛ فنجده عالمًا في الاستثمار والضرائب والسياحة والصناعة والتجارة والزراعة والبنوك والجنسية والأسرة والمرأة والطفل والجمعيات الأهلية والنقابات العمالية و الأحزاب السياسية والغرف التجارية والصناعية ومنظمات المجتمع المدني ومناصرة الحقوق الإنسانية، ناهيك عن كونه عالمًا في شتى فروع القانون المتنوعة والمتشعبة ( الجنائي والمدني والدستوري والإداري والمالية العامة والدولي وغيرها )، وهو في كل هذا يرسي في المؤسسة البرلمانية المصرية ( بل العربية والعالمية ) دعائم ذلك المنهج العلمي الذي يأخذ بأسباب العلم باعتباره المادة الأولية التي تتكون منها القاعدة القانونية .. أما العنصر الثاني للمنهج البرلماني للدكتور سرور فهو الصياغة القانونية , وهي التي تتولى تحويل المواد الخام ( العلم ) إلى نصوص تشريعية ميسورة قابلة للفهم والتطبيق.. وقد ملك الدكتور سرور ناصيتها وبرع في مقوماتها ومهاراتها وقدراتها اللغوية والقانونية.. على نحو مكّنه – كمشرع محترف-  من نسج أحكام تعبر عن معنى النص دون لبس أو غموض , وهو في كل ذلك يحدد الأهداف التي ينتوى تحقيقها ثم  الحق الذي تشمله الحماية أو الرعاية القانونية  وأخيرًا السياسة البرلمانية التي في نطاقها يرى تلك الأهداف وذلك الحق.

 

ويتميز الأداء البرلماني للدكتور سرور طيلة سني رئاسته لمجلس الشعب  بالديمقراطية المبهرة في أجلى صورها وأبهى مظاهرها .. فجلسات المجلس هي أنموذج رفيع لما ينبغي أن تكون عليه أصول الحوار والنقاش – حتى والخلاف - الديمقراطي الهادف البناء .. فلم يحقّر رأيًا ولم يحجر على فكر, بل يقرع الحجة بالحجة, ويفند كافة الآراء, ويقنع الجميع بالبرهان القاطع والدليل الساطع .. ولعل هذا مرجعه إلى نشأته القضائية الواعدة في محراب العدالة ..
 
وأبرز مثال لذلك حين خاض غمار واحدة من أعتى وأشرس التحديات البرلمانية في تاريخ مصر وهي تلك التعديلات الدستورية المفصلية .. سواء في جولتها الأولى بتعديل المادة 76 من دستور البلاد، بعد أن أطلق فخامة الرئيس مبارك في 26 من فبراير عام 2005 مبادرته التاريخية - فى الخطاب الأشهر- بطلبه إلى مجلسي الشعب والشورى بأن يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر.. أو في جولتها الأخيرة حين طلب الرئيس مبارك  في 26 من ديسمبر عام 2006 من مجلسي الشعب والشورى تعديل 34 مادة من الدستور انطلاقًا من قناعته بضرورة تعزيز الدور المؤسسي لمجلسي الشعب والشورى، وتحقيق المزيد من التوازن بين السلطات وتعزيز حقوق المواطن والحريات ودعم الحياة الحزبية وتمكين المرأة ودعم استقلال القضاء .. وقد سجلت مضابط جلسات مجلس الشعب - في كافة مراحل مناقشات تلك التعديلات وإقرارها - قمة الأداء البرلماني للدكتور سرور شكلا وشاكلة، وقد توجت بالاستفتاء الذي وافق فيه الشعب عليها في 26 مارس 2007.

 

لقد عرفتُ هذا الحكيم الفقيه البرلماني العلامة..  أستاذا لي منذ أكثر من عشرين عامًا.. حيث كان اللقاء الأول عام 1987 في لقاء شباب الجامعات في الإسماعيلية وقت أن كان وزيرا للتعليم وكنت أنا في الفرقة الثانية بكلية الحقوق وهنأني باختياري لكلية الحقوق رغم أنني من أوائل الثانوية العامة على مستوى الجمهورية  .. ثم توالت وتتالت اللقاءات حتى شرفتُ بالعمل تحت رئاسته – ندبًا من القضاء – منذ حوالى ثلاث سنوات ، وتيقنتُ عبر تلك السنوات الطويلة أن عطاءه لم ولن ينضب، فقد كان ولازال وسيظل – بإذن الله تعالى – حكيم البرلمان.

المراجع

masress.com

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع