أنتج عقل الغرب في مختبراته نموذجا او مشروعا عسكريا يمنح الدولة المُستهدفة نصرا أو صمودا , الهدف منه إشغالها بنقطة واحدة في حين تكون ادوات الغرب قد عبثت في عمق الدولة ونكثت غزلها وسط افراح الدولة بالنصر والصمود في النقطة الصغيرة , ورأينا هذا النموذج الغربي في ميناء ام قصر العراقي الذي صمد 15 يوما قبل ان نرى الدبابة الامريكية تتسكع على جسر بغداد وسط صدمة اطاحت بكل مفاهيم الصمود العراقي وكسرت ارادة أمة من محيطها الى خليجها كانت تترقب انكسار الغرب الامريكي وحليفه البريطاني على اسوار بغداد , فالميناء الصغير صمد صمودا اسطوريا فكيف بالعاصمة ؟.

نفس النموذج رأيناه في ليبيا , فقد انشغل العالم كله في حروب مصراتة ورأينا القذافي ينهر الناس نحو التقدم والقتال , وما هي الا ساعات حتى سقطت طرابلس في يد النيتو , ورأينا باب العزيزية مُستباحا امام كاميرات العالم وترسانته الوهمية مجرد فيلم كارتوني لا اكثر , وكأن درس ام قصر لم تقرأه جنرالات العرب ولم تلتفت الى سلوك النيتو الجديد , رغم اننا الأمة التي انتجت وثقّفت نظرية الخدعة في الحرب منذ زرقاء اليمامة .

الآن العالم كله مشغول في مدينة القصير السورية , وتَجري الاحاديث على ألسنة الجميع بأن القصير نقطة التحول العسكري في الازمة السورية , وتنطلق التصريحات تترى على ألسنة جماعة النصرة وشيوخ الفضائيات لنجدة القصير بوصفها رمانة الميزان الاستراتيجي في المعركة المقدسة , والدولة السورية تُحاكي نفس الرواية وترى ان القصير فاتحة جنيف2 ومن خلال القصير ستصل الدولة السورية الى مُبتغاها في انهاء الصراع الدموي وبسط سيادة الدولة فما تبقّى بعد القصير جيوب يسهل القضاء عليها .

المشهد كله مفتوح على القصير , والعالم الغربي اجرى تمارين وهمية على القصير , فالسلاح المحظور لم يعد محظورا , وامكانية مناطق الحظر الجوي واردة والمح اليها وزير الخارجية الامريكي , والحشد نحو القصير يسير بدعم الفتاوى والمعارضة وباتت القصير ام المعارك على المسار السوري , وسط ضبابية لما يجري في المدينة وغياب المحللين العسكريين والاستراتيجيين الذين يقرأون المشهد من الزوايا كلها , فلا احد يعرف لماذا صمتت الدولة السورية على القصير طالما انها استراتيجية الى هذا الحد ؟ وهل القصير ستكون مصيدة القاعدة والنُصرة ام انها نقطة الإلهاء ومصيدة النظام السوري .

الازمة السورية في طريقها الى الحل , والقصير مفتاح الحل او فاتحته , ولا احد للان يعرف شكل الحل وهل سينتهي الى توليد ازمات جديدة عبر بوابة تقسيم سوريا وتدويلها ام ان القصير ستفتح باب دمشق قياسا بنظرية النيتو المتجددة والتي لم يقرأها الجنرالات ؟ الحلول المطروحة كلها لا تنتهي الى بسط نفوذ الدولة السورية على الاراضي السورية فالجرح يتسع والحلول السياسية يجري التحضير لها على وقع طبول القذائف والصواريخ , وثمة روائح لا تُريح الصدر في الحراك داخل سوريا وخارجها , فكل ما يأتي من “ المعارضة الخارجية “ مطعون به والدولة السورية لم تنجح حتى اللحظة في التواصل مع المعارضة داخل سوريا وتظهير الخلافات معها والوصول الى توافق وطني دون شروط مسبقة .

مدينة القصير لا تتشابه في الحروف مع ميناء القصر فقط بل ثمة ما هو اكثر اقترابا في الشبه من الحروف وعلى الدولة السورية ان تتيقظ جيدا وعلى المعارضة السلمية داخل سوريا ان تتخلى عن صمتها من اجل تخليص الدولة من مأزق القصير , فهو مأزق بكل الاحوال حتى لو كان مصيدة لجبهة النصرة .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور