حسب متابعين فإن الرئيس المصري محمد مرسي استخدم كلمة الشرعية 198 مرة في خطابه فجر امس , ولم يكن التكرار من بوابة تعليم الشطّار , بقدر ما كان تكرارا تبريريا للالتفاف على مطالب جموع من الشارع المصري شديدة الوضوح برحيل الرئيس بعد مجمل الاخطاء التي اعترف بها الرئيس نفسه والخطايا التي لم يعترف بها ولم يُشر اليها اساسا , كتلك المتعلقة بالاستفراد بالسلطة , وارتباطه التَبَعي بمكتب الارشاد .

خطاب الرئيس لم يسلم من فكاهة المصريين وخفّة دمهم المعروفة , وهم يستبدلون اسم طبقهم الاشهر “ رز بالشعيرية “ الى “ رز بالشرعية “ لكنهم يؤكدون ان الطبق كان خاليا من الأرُز , والسياسة ليست بعيدة عن مفهوم المطبخ بل ملازم لها , فدوما يردد المراقبون مصطلح المطبخ السياسي , و ينتقدون غيابه فهو مرادف للعمل الجماعي وتعبير عن جماعية التفكير أو التفكير الجمعي المُحبب من الناس جميعا لأن عكسه التفرد المنبوذ .

شرعية الرئيس واي رئيس ونظام تأتي من صناديق الاقتراع , ولكن صناديق الاقتراع مجرد ادوات بليدة وبلهاء دون شعوب تضع اصواتها في تلك الصناديق , فهي حاضنة رمزية لإرادة الناس وليست الارادة الفعلية , وبالتالي الناس من تَمنح او تسحب الشرعية , وخلال لقاء سابق للرئيس محمد مرسي ابان كان مرشحا للرئاسة مع الاعلامي خيري رمضان , أجاب الرئيس على سؤال حول موقفه اذا نزل مليون مصري الى الميادين مطالبين برحيله بأنه سيرحل وسيستجيب لصوت الناس , ولكنه لن يسمح اساسا بحدوث هذا الامر .

الامر وقع او حدث , والمليون الواحد تضاعف عشر مرات في ميادين مصر مطالبا برحيل الرئيس , الذي قدّم خطابا تبريريا وانتهى الى رفض مطالب الجماهير , بل المح الى بركان دم يبدأ بدمه دفاعا عن الشرعية الممنوحة له من صناديق الاقتراع , غافلا او متغافلا عن مشهد الملايين في الميادين , وبات يرى الميادين بنظارة الجماعة وليس بعيونه , التي انتخبها الشعب في ظروف موضوعية شديدة الحراجة واكثر غموضا من اي وقت مضى , فهو حصل على نسبة ضئيلة نصفها من غير اعضاء ومريدي الجماعة , فهو حصل على اصوات يساريين وليبراليين واقباط تساوي او تزيد عن اصوات جماعته التي حصل عليها وهي معروفة ومحسوبة كما في الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة .

الملايين ومطالبهم لم تجد اذنا صاغية من الرئيس المُنتخب , وانتقاد الصمت الشعبي على نظام مبارك غير المأسوف على رحيله طوال عقود ثلاث , بات مطلبا للجماعة وانصارها , التي تطالب المصريين بمنح مرسي فرصة اسوة بمبارك ونظامه , وكأن الزمن يعود الى الوراء , رغم التشابه في سلوك الحكم بين الرئيسين في اقصاء الآخر والالتفات الى الاهل والعشيرة فقط .

مطبخ مرسي قدم طبقا غريبا على المصريين بعد الثورة وقبلها , ومطالبة اعضاء مطبخ مرسي الغرب بدعم الشرعية الرئاسية , قَفز عن شرعية الصندوق التي تحدث مرسي عنها في خطابه الاخير وتُحللنا من شرعيته التي وقفنا معه فيها حتى في الازمة الاخيرة , وليته كان خطابا يليق بجماعة قاربت على المائة من العمر وتحفظ لها الذاكرة الكثير من الاحترام , قبل ان يختطفها تيار محافظ اقرب الى فكر اليمين المحافظ منه الى سماحة ورشاد الفكرة البنائية التي بناها المرحوم حسن البنا .

فالمطبخ المصري على عهده مع ارضه التي انبتت له الرز المعروف باسم بلدهم , واضافوا اليه بعبقرية “ الشعيرية “ المصنوعة من القمح , اي انه طبق “ حاصل جَمع نعمتين “ , فالقمح نعمة نُقبّل منتجها والرز نعمة نحذر ان يختلط مع الدنس وبقايا الاطعمة , كما تعلمنا من الامهات والجدات والاباء والاجداد , ومصر تصون النعمة فهي تحلف بها كل صباح ولن تقبل ان تَطال نعمتها الدَنس او التدخل الاجنبي .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور