يمكن لكل مؤسسة خدمية ان تُلقي اللوم على شقيقتها بسهولة، ويمكن تبادل التلاوم ايضا بين المواطن والاجهزة الرسمية الخدمية، فكل طرف يتحمل جزءًا من الازمة التي طالت الاردن خلال العاصفة الثلجية الاخيرة التي أشرّت بأن الواقع الاجتماعي والخدمي يعانيان من ازمة قِيمية، فالمواطن استمرأ العطلة وسار وراء متعته بالثلج دون ادنى حِيطة او حذر والمؤسسات الخدمية اظهرت استعدادات تجعل المواطن يسير عريانا في موسم الثلج .
وحدها المؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية “ الدفاع مدني والأمن عام “ حملتا الازمة على محمل الجد لكن هذه الجهات دفعت ثمن تَعالي الاجهزة الخدمية وربطات عنقها او لفحاتها الانيقة واحاديثها الجميلة عن الاستعداد العالي وعن امتلاكها كل كلمات السرّ لفك شيفرة المنخفض القادم، وكعادة تلك الاجهزة الخدمية مؤخرا فشلت في التعامل مع الازمة واظهرت انها حنجرة فقط وانها لا تملك الارادة الوطنية للتعامل مع الازمات فهي اجهزة محشوّة بالموظفين الذين ينتظرون راتب اخر الشهر والدرجة الوظيفية آخر العام .
تصريحات جنرالات الاجهزة الخدمية من كهرباء وامانة عمان وبلديات، جعلت المواطن يُفكر مليا في اعادة تصنيف تلك القطاعات ورفعها الى مصاف الاجهزة السيادية، بل ومنحها كل النياشين اللازمة بعد ان اثبتت الازمة الاخيرة ان المؤسسة العسكرية والاجهزة السيادية على عاتقها تسيير الخدمات للمواطن وفتح الطُرق في حين ان على عاتق امانة عمان وشركة الكهرباء ووزارة البلديات حماية الحدود ومنع الارهاب من الوصول الى الداخل الوطني .
دون شك وصل الاستهتار ببعض المواطنين الى القاء سياراتهم على قارعة الطريق بل وأخذِ نفس ارجيلة في الشوارع العامة على الثلج البِكر، وهذا أعاق اليات الخدمة العامة وصارت الازمة ازالة السيارات عن الشوارع تمهيدا لفتحها، لكن هذه لا تُبيح حجم التاخير في ايصال الخدمة لأن المواطن استكان الى تطمينات الاجهزة الرسمية ومارس متعته حسب الوعودات الرسمية ومنسوب الطمأنينة التي وصلت اليه .
الازمة عميقة وصعبة ولا أحد يُقلل من صعوبتها، لكن حجم الاستعداد كان ضعيفا رغم حماسة التصريحات ومتانتها , وابرز ما كشفته الازمة ان منهج العلاقة مختل بالكامل بين المسؤول والمواطن، وان الأجهزة الخدمية تتعاطى مع الوظيفة العامة كتشريف لا تكليف وان مفهوم دافع الضرائب غير موجود عند الاجهزة الرسمية الخدمية التي يقول سلوكها بوضوح انها تقدم خدمة غير مدفوعة الأجر وانها مِنّة من المؤسسة او الشركة وتطوع من الموظف .
انقطاع الكهرباء لاربعة ايام واكثر عن احياء بأكملها، ليس سهلا وليس بسبب تراكم السيارات في الشوارع بل لأن هذه الشركة منذ سنوات وهي تعيش حالة ترهل اداري بسبب ضمان المقعد، ونذكر كيف انها استعانت بالقوات المسلحة ذات ازمة داخلية، وحينها عرفت الشركة انها جزء من الدولة ولكنها وقت الازمة تعاملت كجزيرة مستقلة معزولة عن الدولة ولم تسطع جهة رسمية ان تمون عليها وان تتحرك بمهارة استثنائية كما تتطلبه اللحظة الوطنية .
الازمة هي استمرار لاستهتار المسؤول واستهانة المواطن، وهذا يُشير الى تآكل هيبة الدولة وضعف مدلولها عند المواطن والمسؤول وهي بالتالي فرصة تاريخية لاستعادة الهيبة من خلال محاسبة المسؤول المقصر وتحويل كل مقصر الى المحاسبة الادارية والقضائية ان لزم الامر ودون ذلك ستكون هيبة الدولة على المحك وسيستعذب المسؤول التقصير وعدم القيام بواجبه .
رحلة المنخفض ذهبت وقاطرته غادرت الاردن، لكن المنخفضات قادمة والطقس لا يمكن الاطمئنان له، وعلينا مراجعة الحسابات كاملة للوصول الى اعادة الاعتبار للاجهزة الخدمية واعادة الاعتبار للمواطن الذي شعر بالخذلان من اجهزته الخدمية والصورة المشرقة كانت ان الاردنيين عرفوا جيدا ان للبيت ربا يحميه، وفتية مؤمنين بربهم لان جُند الاردن خير اجناد الارض فعلا وقولا .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور