إذا كانت صالات الفنادق وقاعات الاحتفالات هي الأكثر فعالية في رأس السنة , فإن منافسها الابرز هم نُشطاء الفلك او ما يُطلق عليهم علماء الشعوذة , الذين ينشطون في التوقعات للسياسيين خاصة وللمشهورين من نجوم المجتمع ويتحدثون عن كوارث او حوادث وكل توقعاتهم في صلب العملية السياسية ومُتعلقة بها .

الأجدى ان يتصدر المشهد أو أن يتقدم الصفوف لهذه المهمة سياسيون قادرون على التوقع ورصد النشاط السياسي الزلزالي وغيره من الأنشطة او البراكين السياسية الخامدة , وستكون توقعاتهم اكثر جاذبية وأعلى مصداقية من توقعات الفلكيين، فرابط الشعوذة بين الفريقين متوافر بكثافة ويتقدم السياسي على الفلكي بالمعلومة أو بجزء منها.

السياسي سيحقق فائدة مزدوجة بهذه الخطوة , فهو سيكشف عن عمق نظرته المستقبلية أولا وثانيا سيحقق شهرة يحتاجها في ظرف سياسي حساس يشهد تصاعد العودة الى صناديق الاقتراع , والخطوة تحتاج الى كرة بلّورية عليها خريطة العالم اسوة ببلّورة المشعوذ ويمكنه الاستعانة ببلورات صغيرة لكل بلد على حدة لإثبات مهارته في التشخيص الوطني والإقليمي بعدّة شغل نظيفة .

التوقعات السياسية يمكن ان تكون رشيقة ومليئة بالبهارات السياسية وتصفية الخصومات السياسية , فعندما يتوقع سياسي مثلا اغتيال امين عام حزب او رحيل نظام يكون قد ارضى الراغبين بذلك ويمكنه التحكم بأسماء الراحلين وفقا لقربه او بعده السياسي عنهم ودون كلفة سياسية , فهو ينقل ما تقوله الابراج السياسية وحركة النجوم السياسية وليس هو القائل مما يقلل الاحتقان السياسي بين الفُرقاء .

الاحداث السياسية ستعود الى الواجهة وسيكون لها مريدون ومتابعون كُثر بعد ان اصاب الجمهور الكثير من الملل والعزوف عن الاخبار السياسية وهي طريقة لإعادة جذب الجمهور الى السياسة والنشطاء السياسيون , فمثلا ستكون توقعات سياسي من حماس مثيرة حيال الضفة الغربية والسلطة الوطنية او رؤية سياسي فلكي مصري لواقع الإخوان المسلمين هناك او العكس , سيكون مشهد التوقع سرياليا حين يقدم سياسي اردني رؤيته للحكومة بخاصة اذا كان طامحا او مرشحا .

مشهد الربيع العربي اضفى رتابة على الواقع السياسي خلال السنوات الأخيرة وبات المشهد مكرورا وجامدا حد الملل وعلينا ان نتغلب على الواقع باستخدام ادوات جديدة تتوافق وادوات الربيع العربي الجديدة من مواقع تواصل اجتماعي ونضال افتراضي هواقرب الى الشعوذة منه الى السياسة ، فتتلاقى الارادات السياسية مع الوقائع الفلكية .

الربيع العربي فرض واقعا مختلطا وسرياليا يتطلب التعاطي معه واقعا موازيا او مشابها , فالاحداث السياسية الآن اقرب الى الخيال العلمي والافلام الهندية التي يموت فيها البطل الف مرة ثم يتزوج في النهاية من حبيبة القلب صاحبة الصوت الجميل , واحداث سوريا والعراق وليبيا يعجز عنها الخيال العلمي ذاته , من داعش الى ناعش الى آخر المسميات التي ننتظرها ولا يمكن توقع مخرجاتها الا بشعوذة سياسية .

السياسي العربي الآن يمر بمرحلة حرجة وثمة سياسيون سيفقدون ادوارهم بموجب قوانين العزل والاجتثاث واوصاف الفلول والتسحيج وهذه فرصة كي يجدوا دورا يحافظ على تواصلهم مع الشارع الشعبي ويؤهلهم لإعادة تدوير دورهم او انتاجه مجددا.

الواقع العربي بات سرياليا وكل احاديث التحليل السياسي وافكار المنطق لن تلبي حاجة المواطن العربي ومن الضرورة ابتكار ادوات جديدة ولعل الفلك ولشعوذة يحققان ذلك ؟


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور