يستطيع أي مركز ابحاث مغمور في دولة الكيان الصهيوني ان يشعل فتنة في الأردن ، او على الاقل ان يحدث ضوضاءً وجَلَبة ، تستدعي تدخلات سيادية وسياسية كي نقلل من الاحتقان الداخلي ، وكذلك الحال مع اي صحفي من الدرجة العاشرة في الولايات المتحدة او الكيان الصهيوني .

التفاعلات الحادة التي تشهدها الساحة الوطنية حيال ما تسرّب عن مشروع كيري التوطيني ، تفاعلات مشروعة وتخدم المسار الوطني ، فالقضية الفلسطينية في آخر السلم القومي ، وكان لافتا وواضحا غياب الشعار القومي عن كل ساحات الربيع العربي وهذا يُقلق الاردنيين والفلسطينيين ويضعهم في خانة المواجهة منفردين مما يتطلب مهارة اكثر في المواجهة وصلابة اعمق للتصدي .

القضية الفلسطينية الآن في اضعف لحظاتها وامكانية تمرير اي مشروع صهيوني واردة بل لها قوة مُضافة بحكم تشظي الدول العربية وانهيار الدولة المركزية في كثير منها وتراجعها في الجزء الاخر ، وهذا يسحب الضعف على المقاومة الاردنية ويسّهل الامكانية لتمرير الحلول على حسابها ، وهواجسها مشروعة بل مطلوبة ، فحجم المُفارقة في الفهم الرسمي والشعبي لمساحة الفوارق بين الدولة الصهيونية والحركة الصهيونية مساحة شاسعة لم يجرِ تظليلها للمواطن وللدولة .

فالدولة الصهيونية قد تقبل بمشاريع تكتيكية تمنح الجوار العربي تطمينات ولكنها تخدم في النهاية مشروع الحركة الصهيونية الاستراتيجي، التي لم تعدل ميثاقها بأن حدود الدولة الصهيونية من النيل الى الفرات كما غامر الراحل ياسر عرفات بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني ، والاصل الا نستكين للتطمينات التكتيكية التي يقدمها الكيان الصهيوني وحليفه كيري ، وان نتوجس ريبة من كل المطروح ليس بحكم نظرية المؤامرة بل لأن الظرف الذاتي للفلسطينيين رَخو وضعيف وكذلك الظرف الموضوعي العربي المُلتبس والمُفكك الآن .

الوضع الفلسطيني مشروخ افقيا وعاموديا ، فمن جهة هناك انقسام داخل فتح الحركة الاكبر والمسيطرة على مقاليد السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وهناك انقلاب تقوده حركة حماس في غزة ضد السلطة وصدام مع فتح اثمر دماءً سالت بحجم اكبر مما اسالته دولة الكيان الصهيوني ، فكيف للاردن ان يطمئن على الجار الشقيق في هكذا ظروف ؟

كذلك نردد دائما ان الأردن الدولة الاكثر حساسية من مجريات الاقليم وهذا الترديد ليس عبثيا او وهميا ، فكل مصائب الامة وجدت ارتدادها في الاردن من هجرات ولجوء ، من نكبة فلسطين الى نكستها مرورا بأزمة الحرب الاهلية في لبنان وحرب الخليج الاولى والثانية والثالثة وصولا الى الازمة السورية فكيف لا يقلق الاردنيون ؟

المواجهة تقتضي بداية فهم اللحظة الوطنية وفهم اعمق لجذر الازمة ثم وضع البرنامج اللازم للمواجهة وهذا ما نفتقده ، بل نلجأ الى الحل الاسهل للعدو والاصعب علينا ، بأن نبدأ بالتلاوم وتبادل الاتهامات وجرح الوحدة الوطنية في لحظة نحن بأمس الحاجة الى الوحدة ليس من منطلق قومي فقط بل من منطلق وطني مصلحي ضيق ، فالتوطين يستهدف الاردن وفلسطين ويقضي على امال وطموحات الشعبين معا ، فلماذا التنابز وتبادل الاتهامات والكتابة الجارحة او التصريحات المريضة ؟

ليس هناك فلسطيني واحد ينتمي الى دينه وقوميته ووطنه يقبل بمساس المصالح الوطنية الاردنية وليس هناك اردني يحمل جينات الاردن الدينية والقومية يفرّط بفلسطين ، وهذه قواعد راسخة في الاردن وفلسطين ، فلماذا نختار ان نتبادل التهم لإضحاك الصهيوني علينا وجعله يسترخي ويمدد ارجله الى ما بعد النهر ؟

التوطين هاجس مقلق وعدم اقامة الدولة الفلسطينية هاجس مقلق ولا يجوز ان يصبح بُعبعا نلبسه لبعضنا بعضا ، بل هاجس علينا مجابهته ومقاومته متحدين واذا كانت الظروف السياسية تفرض اجنداتها على الحكومات فهي لا تفرض اجنداتها علينا شعبيا وبدل البحث عن مفردات التنابز وتبادل التهم علينا البحث عن المشاريع الوطنية الموحدة التي تمنح السياسي قوة وتمنح العالم ردّا واضحا وتمنح الوضع الداخلي متانة وكل ذلك اختصاره او شيفرته اردن وطني ديمقراطي من اجل تحرير فلسطين ، كل فلسطين .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور