لا يحتاج مجلس النواب لإيذاء سمعته بالغياب المكرور , فهو يعاني اساسا من ازمة في الثقة وانحدار الشعبية التي كشفت عن نفسها بحجم العزوف عن المشاركة في الانتخابات بعد احتلال اليأس مكانة الأمل بالتغيير , ويعاني من ضعف منهجي في الواجبات المُسندة اليه تشريعا ورقابة ومحاسبة , فالقوانين سرعان ما تعود الى لجانه والرقابة اول من تكسرها واسطات النواب والمحاسبة شأن مزاجي مربوطة بالموافقة على المطالب الشخصية من عدمها .

تكرار فقدان النصاب تحت القبة يعني حنث النواب بقسمهم ويعني اكثر استهتار ممثلي الشعب بالشعب ومطالبه بضمان سيرورة حياته , المتوقفة على انجاز التشريعات و مراقبة الاداء و محاسبة السلطة التنفيذية , وهو ليس تهريبا ذكيا للنصاب من اجل الحشد او إبطال تمرير قرار او تعطيل قانون لمزيد من الحشد والتأييد ليقبله الجمهور , فتهريب النصاب خطوة سياسية معمول بها وجزء من الاداء البرلماني الاحترافي .

اهدار النصاب بالغياب يُضعف هيبة المجلس ويضعه في مأزق اخلاقي , فكيف سيقوم بالرقابة من يغيب عن صُلب عمله وكيف سيحاسب السلطة التنفيذية من يُقصّر في اداء واجباته ومهماته التي تصدّى هو لها برغبته وارادته , فلا يوجد لدينا نائب اجبرته قواعده على الترشح للبرلمان , بل كانت الدعاية الانتخابية والسلوك الانتخابي اقرب الى الرجاء والشراء .

غياب النواب وتعطيل عمل السلطة التشريعية يكشف عن ضعف او غياب ادوات الرقابة على اداء النواب ويكشف عن اختلال في النظام الداخلي لمعالجة هذه الظاهرة المقيتة , ولكن رئاسة المجلس الجليلة وعلى شدة ادبها في الاعتذار من الشارع الاردني معنية بتطوير الاداء وتفعيل الرقابة ولا اقل من نشر اسماء الحضور والغياب على العلن وفي كل جلسة وكذلك نشر كشف شهري بغياب النواب وحضورهم للعلن احتراما لحق الجمهور بالمعرفة اولا وكي يعرف الناخب كيف يختار في الدورة القادمة .

تفعيل الرقابة الشعبية على النواب هو الحل وهو الاداة الوحيدة المعتمدة الى جانب العقوبات الاجرائية والمسلكية والمالية المنصوص عليها في النظام الداخلي وفي نظام لجنة السلوك التي تنتظر نظامها الداخلي كي تصبح لجنة فاعلة وقادرة على ممارسة مهامها دون محاباة او مجاملة ودون مراعاة لمفاهيم الحرج من خدش الزمالة , فالشرطة العسكرية مثلا , وهي مكلفة بضبط السلوك والحفاظ على الأداء العام لرفقاء السلاح تقوم بدورها دون حساسية او مفاهيم شخصانية فنجحت وانجحت ظاهرة الالتزام المؤسسي للجيش , وكذلك ديوان المحاسبة و ديوان الرقابة .

امس باغتنا رئيس مجلس النواب بالاعتذار من الشعب الاردني لفقدان النصاب بسبب الغياب , وأخشى أن يضطر الرجل الى تكرار الاعتذار ويعلم الجميع كلفة تكرار الاعتذار والاعذار , فيصبح الاعتذار غير مقبول , او ان يتبادل الشعب التهاني بإكتمال النصاب , ولا استبعد غدا أن تصلني رسالة على الهاتف الخلوي تتضمن تهنئة بإكتمال نصاب جلسة ووصولها الى بر الختام او ان يصنع الشعب الاردني متحفا من الشمع للنواب غير المتغيبين عن الجلسات .

بعد تسعين عاما من العمل التشريعي في الاردن وبعد ان سبقنا معظم الاقليم في البرلمانات والانتخابات , نعود لمناقشة بديهية في العمل العام وفي السلوك البرلماني , فكيف سنراكم خبرة وكيف سنصنع قدوة لأجيال قادمة ؟ تنتظر الكثير من البرلمان وتسعى الى أن يكون لها مكان بين الأمم وتحت الشمس .

مناقشة ضرورة الحضور ومعاقبة المُتغيِّب انتهت من كل العالم وحتى من مجالس اتحادات الطلبة المُنتخبة، فكيف الحال بأعضاء مجالس النواب، إلا إذا أراد النواب فعلا ان نصنع لهم متحفا من الشمع يدخله الحاضرون بانتظام؟


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عمر كلاب   جريدة الدستور