باستثناء الدواوير من الأول الى الثالث لا يمكن عدّ باقي دواوير عمان معالم تستحق الرثاء أو الدفاع عنها اللهم الا من قَبيل تسهيل حركة المرور من عدمها، والاشارات على الدوار السابع ستُلغي على الاقل ضعف المسارب المطروحة على هذا الدوار حيث كل مسرب مضروب في اثنين اضافة الى الجسر السفلي، فالقادم من السابع باتجاه الثامن يعرف معنى الازمة حيث تتكدس السيارات للمرور الى المطار والثامن رغم وجود النفق .
ما يستحق البكاء هو اللوحة الجميلة على الدوار – والتي كانت محل تندر - وكان الاجدى نقلها الى ساحة ثانية في عمان او الى حدائق الحسين او البيادر فهي تحكي قصة عرار ورحلته الى وادي السير ومصنوعة بعرق عروبي خالص وتحمل في ثناياها الكثير من الاشعار المُحببة، التي اعتاد العمانيون ترديدها كلما غزانا الاسمنت مُلغيا جمالية البيادر ومكاثي الفقوس والباميا .
في عمان تراث معماري مهيب جارَ عليه الاسمنت ولم يجد الحماية الكافية ولولا تدخل ممدوح العبادي في فترة من الفترات لما وجدنا بيتا من بيوتات عمان القديمة التي لها تاريخ وحكايا، بعد ان تحولت فلل الدوار الثاني و الثالث والاول الى مطاعم وعمارات ضخمة، ومع ذلك لم نسمع صوتا ضاغطا لاسترداد تلك التحف المعمارية وما جرى في دواوير عمان الثلاثة جرى في اللويبدة وبنسبة اقل في جبل الحسين وحي الضباط في المحطة والتاج .
الخشية ان ثمة محترفي كلمة “ لا “ يستثمرون في كل قرار بلدي او سياسي دون قراءة او دراسة، والبيئة الاردنية في مداها الرسمي قابلة لتصديق “ اللائيون “ اكثر من تصديق اي احد آخر، فالمهم ان نقول “ لا “، حتى لو من بوابة النكاية في الطهارة، فهناك اصوات افتراضية تقيم الارض ولا تقعدها وهي لا تخرج من قوقعتها الافتراضية، تبكي وتندب وتشتم على جدران الفضاء ولم نسمع انها رسمت حائطا واحد او ازالت ورقة عن الطريق وليس اذى .
الدوار السابع ببساطة هو منتج توسع المدينة واعتداء الاسمنت على الاراضي الزراعية وهو دليل موجع اكثر منه معلما سياحيا او ذاكرة مكانية من أمكنة عمان، فكلها بيادر جرى الاعتداء عليها منذ ثورة البترودولار مرورا بالوافدين بالاموال من الخليج والعراق وباقي المناطق ممن استعذبوا انتاج امكنة راقية من غول الاسمنت الذي استباح عاصمتنا دون ترسيم لاستخدام الاراضي وضرورة هذا الترسيم بما يكفل ذاكرة المدينة ووجدانها .
سؤال البيئة وسؤال الذاكرة مشطوبان من المقرر الشعبي والرسمي، فلا احد يحمل عائلته للدفاع عن مكان او شجرة أو غابة استفاء فيها كثيرا، ولم نشهد بكاء عاشقين تحت شجرة حفرا عليها اسميهما، وتجربة المدافعين عن البيئة والذاكرة المكانية تجربة مريرة مع الشارع العماني الذي يستعذب ارتفاع اسعار الشقق والاراضي، دون التفاتة الى بيئة أو ذاكرة مكانية، وينتظر تحويل أرضه إلى تجاري أو مكاتب أكثر من انتظاره قانونَ انتخابٍ عصريًا.
لست من انصار الحفاظ على امكنة لا تنتمي لنا او ننتمي اليها، بل من انصار الحفاظ على عمان الوادعة وعمان الذاكرة من شارع طلال الى شارع الملك حسين الى اللويبدة والطلياني، فهذه عمان التي نعرفها وتعررفنا وعلى هذه الجبال ومربعها رسمنا كل احلامنا وذاكرتنا الوطنية والسياسية والشخصية، ولا نريد ان يسحبنا اللائيون الى مربعاتهم لانهم يجلسون ملولين في غرفهم ولا يجدوا الى عالم افتراضي يرجدون فيها كل خطوة، ببساطة لانهم لايعرفون عمان التي نعرفها ونعرف سيلها ورأس عينها وبيادرها .
ازالة الدوار السابع ضرورة هندسية سيتم الحكم لها أو عليها لاحقًا، لكنّها ليست قضيّة ذاكرة مكانيّة او ثقافيّة .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور