قرار حزب النور السلفي المصري دعم المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر في الانتخابات القادمة , ليس قرارا نكائيا في الجماعة الاخوانية , ولا تصفية حساب معها لانقلابها على التحالف مع التيار السلفي اثناء رئاسة مرسي , فهذه نتيجة وليست سببا , فهو تعبير حقيقي عن حجم التباينات داخل الاحزاب الدينية , وفيه رؤية احلالية يستفيد منها التيار السلفي ويستفيد منها النظام السياسي المصري ايضا , فالجماعة السلفية تمنح شرعية دينية مناهضة لمحاولات سحب الشرعية من خارطة الطريق المصرية التي اخرجتها الجماعة الاخوانية عن الملّة بعد فضّ اعتصامي رابعة والنهضة .
التيار السلفي السياسي بات مطلبا لكثير من الانظمة لمواجهة التيار الاخواني الذي خرج عن علاقاته التاريخية مع الانظمة العربية بُعيد الربيع العربي وكشف عن اطماع تتجاوز حدود الشراكة معها ليصبح بديلا لها , وهذا ابرز اخلال بشرط العلاقة التاريخي بين الجماعة وانظمة الحكم , فالجماعة تربت داخل اروقة الحكم وحظيت بدعم لمواجهة التيارات اليسارية والقومية ومع انتهاء الاتحاد السوفيتي فقدت الجماعة ضرورتها واستكملت شروط فقدان الاهمية الرسمية مع سقوط بغداد , فلا القوميون موجودون واليساريون بلا بوصلة او حاضنة .
فقدان الجماعة الاخوانية للاهمية الرسمية قابله ارتفاع الاهتمام بالتيار السلفي “ المدني “ او غير المسلح للدقة , فظاهرة القاعدة التي ارعبت العالم بمجمله بحاجة الى مواجهة نظرية وفكرية من نفس الصندوق , كخيار سريع وسهل رغم عدم استراتيجيته وعدم جدواه على المدى الطويل وهذا ما التقطته التيارات السلفية غير المسلحة في عواصم كثيرة فقدمت نفسها كبديل للانظمة التي تحتاج الى وعاء ديني يضمن سيرورة الشرعية الدينية وخاصة المؤمنون بحُرمة الخروج على الحاكم وضرورة الدعاء لولي الامر .
وهذا خطأ استراتيجي ترتكبه كثير من الانظمة التي تذهب الى هذه الضرورة رغم جدواها المؤقتة , لأن الانتقال من خانة الدعاء الى ولي الامر الى خانة الدعاء عليه لا تحتاج الى كثير عناء , وسبق ان خاطب التيار السلفي معتصمي ميدان التحرير بالخطابين خلال اسبوعين فقط , ودخل التيار الانتخابات اللاحقة بوصفه شريك في الثورة وداعم لها دون عناء , فالذاكرة الشعبية قصيرة الامد , وجمهور هذا التيار بمعظمه من البسطاء الذين ينتخبون على ارضية الرجل الصالح والدعم العيني والنقدي الذي تقدمه تلك الجماعات التي تنشط حيثما اختل ميزان العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات على الجميع .
لجوء النظام المصري الى الحل الاسهل لمواجهة الجماعة الاخوانية بالتيار السلفي لن يحل مشكلة التطرف والعنف في مصر , واستبدال دعاء بدعاء اخر لن يلبي احتياجات شارع شعبي يريد “ خبزا وحرية وعدالة اجتماعية “ فهذا الثالوث يحتاج الى برامج طويلة من التنمية والى مكافحة حقيقية للفساد وتوزيع عادل للثروات ,
التجربة المصرية بالعادة يجري استنساخها ونقلها الى اقطار عديدة , وهناك من يؤمن بالنقل بدل اعمال العقل , دون قراءة الواقع المحلي , ودون قراءة ردود افعال الجماعة الاخوانية وباقي التيارات الدينية السياسية , التي تجنح بالعادة الى مزيد من التطرف والى الدخول الى مناطق السخونة الاجتماعية , فهي تملك تراثا طويلا من العمل الاجتماعي والسياسي وهناك مساحات كبيرة من غياب العدالة في المجتمعات العربية يمكن للجماعة وغيرها من الوصول اليها بسهولة , والحل الامثل هو انتاج برامج تنمية حقيقة وبرامج تثقيف مدني واجتماعي وادارة العوائد بعدالة بدل اللجوء الى التخدير , فلا بديل عن الدولة المدنية لتجاوز كل اعراض التطرف والارهاب. .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عمر كلاب جريدة الدستور