يصعب أن يختلف إثنان يشترط فيهما حداً أدنى من الموضوعية، وحداً أكثر دنواً من الإنسانية، أن يختلفا على أن الإعلام المصري المؤيد للمشير تأييداً عبودياً أثار سخرية العرب والعالم. وبغض النظر عن كلّ ما يصدر عنه، فيه شيء من التسلية والترفيه، والتهريج حاضر في برامجه السياسية بكثافة.
مثال عشوائي مرّ عليّ أثناء التصفّح في الإنترنت ظهر على القناة البرتقالية (لا ليست الميادين) المصرية والأكثر إثارة للسخرية (كأن في ذلك علاقة بالبرتقالي)، أتكلّم عن قناة ‘التحرير’ ومذيعها أحمد موسى، الذي يعود الفضل لتلفيقاته وتحريضاته في كل ما توصلت له القناة من إثارة للسخرية. تحديداً أتحدّث عن أحد ضيوفه وهي كاتبة مصرية اسمها لميس جابر.
لن يهمّ كل ذلك بقدر ما يهمّ ما تلفّظت به هذه ‘المثقفة’ كمحاولة لإقناع الناس أن في تولي السيسي الرئاسةَ خيرا للمصريين. في ردها على سؤال موسى عمّا تردّ به على الرافضين لأن يكون الرئيس عسكرياً، قالت إننا ‘نقلّد أكبر دولة ديمقراطية في المنطقة، وهي إسرائيل’. لا أستغرب شيئاً من مؤيدي عسكري فعل ما فعله السيسي بأبناء بلدهم من قتل واعتقال وترهيب، لن أستغرب أن تصير إسرائيل مثالاً يُحتذى في أمر آخر غير القتل والاعتقال والترهيب، لكن ما يمكن أن أستغربه هو افتقار الحد الأدنى من الحياء الذي يمكن أن يحول دون التصريح علناً بذلك.
تضيف في تبريرها بأن ‘كل حكام إسرائيل وزراء دفاع′، إلا أن ليس اسمهم عبد الفتاح السيسي للأسف. تكمل ذاكرةً أسماء لمجرمين صهاينة لهم في ذاكرة الفلسطينيين والعرب الصور الأبشع، انتقلوا إلى رئاسة الوزراء، بعدما ارتكبوا كعسكريين جرائم تؤهلهم لقيادة البلد، مبرّرة في ذلك إمكانية أن يحكم وزير دفاع أو عسكري سابق، كالسيسي، مصر! سأكون موضوعياً هنا، وبالحد الأدنى، لأقول إنها محقّة في ذلك تماماً، إنها تضرب الأمثلة الأفضل لما كان عليه وما سيكون عليه السيسي. فهو، كشارون وشامير وباراك وآخرين ذكرتْهم، يملك ما يؤهله لذلك. ‘كانوا وزراء دفاااع، بالتحديييد’ تؤكد قبل أن تكرّر ما تريده: ‘نحن نريد أن نكون ديمقراطيين مثل إسرائيل’. أي ديمقراطية هذه التي يمكن فهمها من ارتباطها بوزارة الدفاع؟!
أمر آخر يثير سخرية على سخرية، تقول مباشرة بعد ذلك إن زمن ‘حكم العسكر’ قد ولّى، وإن ‘الحكم العسكري يتطلّب قمعاً إعلامياً، وهذا غير متوفّر’. ألطم؟
بالمناسبة أين وصلت بيانات التنديد بالتضييقات على الإعلام واعتقال الإعلاميين من ‘الجزيرة’ وغيرها في مصر، بيانات باتت شبه يومية تصدرها كل من ‘أمنستي إنترناشونال’ و ‘هيومان رايتس ووتش’ و ‘مراسلون بلا حدود’ و’لجنة حماية الصحافيين’ وغيرها من مؤسسات التنظيم الدولي للإخوان؟!
الأسد حامي إسرائيل من خطر الإسلاميين
إن كانت إسرائيل مثالاً يُحتذى عند أنصار السيسي، فهي عند أنصار الأسد مثال كي يُحتذى لا بدّ أساساً من الحفاظ على كينونته وأمنه، فلا معنى للأولى دون الثانية.
العديد من التصريحات، التي صدرت عن أذرع النظام السوري، قالت إن مصلحة إسرائيل وأمنها يكمنان في بقاء نظام الأسد، ليس ما صرّح به رامي مخلوف (الذراع الاقتصادي لعائلة الأسد ونظامه) في الأيام الأولى للثورة إلا أحدها.
مؤخراً، وعلى ‘الفضائية السورية’، صدر عن أحد ضيوف برنامج ‘حوار اليوم’ النسخة الأحدث من هذه التصريحات المتشبثة بإسرائيل وأمنها علّها تنتشلهم من لعنة الشعب.
قال المحلل السياسي/الضيف إن ‘هناك تنظيمات تريد دولة إسلامية وهذه الدولة في حال وصلت إلى الحكم تحت قوة السلاح ستشكل خطراً على ربيبتهم إسرائيل’. لنفهم أنه لن يكون في صالح إسرائيل أن يصل الإسلاميون (وهم أصحابها) إلى الحكم، بل أن يبقى نظام الأسد في الحكم (وهو النظام المقاوم الممانع)، كيف يعني؟ لم أتوصّل لفهم آخر لكلامه، لنرى الآتي فقد نفهم شيئاً.
يكمل تحليله محاولاً، على الأغلب، إقناع الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين المتابعين المتمعّنين بالفضائية السورية: ‘هناك محبوبتهم إسرائيل، بفتوى معينة من أحد الإسلاميين سيوجهون أسلحتهم إلى إسرائيل’، لكن ما لا أفهمه حقاً هو إصرار المحلّل السياسي هنا على ذكر العلاقة الحبيّة (السادو- مازوشية كما يبدو) بين الإسلاميين وإسرائيل، فإما أن إسرائيل ربيبتهم ومحبوبتهم فتريد لهم أن يصلوا للحكم في سوريا، وإما أنهم ليسوا كذلك فيوجّهون أسلحتهم إليها ويشكلون خطراً عليها، حيّرت سمانا!
يكمل قائلاً إن هؤلاء ‘إن تمكّنوا من الحكم في سوريا، فبعد أربعة أو خمسة أعوام ستكون وجهتهم القدس، ثم أوروبا’، محذّراً من خطورة ذلك. كأني أرى عنصر أمن بشاربين كثّين ونظارة قاتمة داخل الاستديو خلف الكامرا يقف متأبطاً سوطه مأنّباً المحلّل السياسي: كرّرها مرّة أخرى وْلاه، لتصل الفكرة جيداً!
أخيراً يُنهي بأن الإسرائيليين ‘يراجعون مواقفهم.. وأن النظام السوري برغم مواقفه (لا بد من التذكير بممانعته طبعاً) يبقى أرحم من هؤلاء’. وبالتالي على إسرائيل أن تختار بين نظام يضمن لها حدوداً هي الأكثر أماناً كما يضمن أن ‘الممانعة’ لن تتعدى الخطابات اللفظية، وبين إسلاميين قد يوجّهون سلاحهم إلى القدس بعد سنين قليلة، وهو ما لن تريده لا إسرائيل ولا النظام السوري.
في الحقيقة لم أستطع حتى اللحظة تبيان موقف المحلّل الفذ الاستثنائي الجريئ، هل الإسلاميون ‘مناح’ أم ‘زعران’؟ يشكلون خطراً على إسرائيل وسيوجهون أسلحتهم إليها وستكون القدس وجهتهم، في الوقت الذي يضمن النظام السوري سلامة وأمن إسرائيل تماماً، كما فعل طوال حكمه لسوريا أم ماذا؟ إما أني لم أفهم جيداً أو أن المفاهيم تنقلب عند مؤيدي النظام الذي بات يشكّل ‘مسطرة’ تُقاس بها وعليها مصطلحات كالقومية والوطنية، التي قد لا تتناقض مع أمن إسرائيل، إن كان له مصلحة في ذلك، بل تتكامل معها.
قد يقول قائل إن التحليل على الفضائية يخصّ صاحبه ولا يخص النظام في شيء. لكن آخر نظام يمكن أن يصدر عن تلفزيونه الرسمي ما لن ترضى عنه الأجهزة الأمنية هو النظام السوري (قد يسبقه في ذلك نظام كوريا الشمالية).
العارف بحال الإعلام والمجتمع في سوريا ما قبل الثورة وأثناءها يعرف أن أي تلفّظ يظهر على إعلامها الرسمي سيضمن متلفّظُه موافقة أكثر من جهاز أمن عليه، كأنه يضمن على حرّيته وحياته، وتحديداً في حالة الثورة وحرب النظام عليها، في هذه الأيام، حيث يحتكّ وفد النظام دبلوماسياً بالعالم والغرب الرأسمالي المتوحّش المعنّي أولاً وأخيراً بأمن إسرائيل.
وفوق ذلك، كيف لو تكرّرت الفكرة، التي يطرح مجرّد ظهورها كل هذه الرسائل.
هذه رسالة أكثر مما هو تحليل، قد لا تصل لأصدقاء إسرائيل في الغرب، لكنها وصلت جيداً للفلسطينيين والسوريين وباقي العرب.
النظام يعتدي على الصحافيين في جنيف
‘أنتم الذين تمثلون القتل.. وأنتم الذين تمثلون الفجور.. وأنتم الذين تمثلون الانحطاط والسفالة أيضاً’، ثم يدفعه بيده. هذا كان رد فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري على صحافي من قناة ‘أورينت’ السورية المعارضة، حين سأله عن سبب قصف المدن بالبراميل بعد أن تخْلو من ‘داعش’!
هذا رد لأحد ممثلي نظام الأسد على الصحافة في جنيف، شتائم ودفع باليد. لكنه في جنيف لا في دمشق، حيث تُطرح عليهم أسئلة لم يتم تلقينها، من صحافيين غير مرتعبين من احتمال اختفائهم المفاجئ في حال لم يرق سؤالهم لسيادة الوزير، أو سيادة مرافق الوزير.
هذا نظام تعوّد استباحة الصحافة والصحافيين في البلد، التي يجثم على صدرها، استباحةٌ أهون ما فيها الاعتقال، وهذا كان ردّه على أسئلة لصحافي (وإن كان معارضاً)، فما المتوقع أن يكون ردّه على شعب خرج للمطالبة بالحرية والكرامة؟ أو تحديداً أكثر، ما المتوقع أن يكون رده على معارضيه السياسيين في أي مؤتمر تفاوضي؟ هل من جدوى لمفاوضته إذن؟! 

المراجع

رابطة ادباء الشام

التصانيف

شعر   أدب    كتاب