فلسطينياً ، يبدو أن العام 2011 سيكون عام الاعترافات الدولية المتلاحقة بالدولة الفلسطينية المُقامة "نظرياً" على حدود 67 ، و"عملياً" على أقل من نصف هذه المساحة ، كما أنه سيكون عام استكمال بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال.
وفقاً للرئيس عباس ، فإن نهاية أيلول ـ سبتمبر المقبل هي السقف الزمني الأعلى للوضع الراهن ، مرجعاً ذلك لأسباب ثلاثة ، الأول تحديد الأميركيين مدة عام لإنجاز الحل والثاني قول الرئيس الأميركي باراك أوباما العام المقبل سنلتقيكم في الأمم المتحدة والثالث انتهاء بناء مؤسسات الدولة في ديسمبر المقبل...ووفقا لرئيس حكومته ، فإن العام الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى أيام قلائل ، سيشهد على استكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المختلفة.
نحن بالطبع نرحب بـ"متوالية" الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية ، ونثق أن معظم إن لم نقل جميع ، هذه الاعترافات تصدر عن نوايا مؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية ، وراغبة في وضع حد فعلي لمعاناة الفلسطينيين الممتدة على مساحة قرن من الزمان.
لكننا في الحقيقة ، وبمعزل عن أحاديث النوايا ولغة الأخلاق والقيم ، لا نستطيع إلا أن نقرأ هذه الاعترافات "سياسياً" ، وهنا تبدو الصورة مغايرة بعض الشيء ، بل ومثيرة لوابل من الأسئلة والتساؤلات ، لعل أهمها على الإطلاق ، هل يُراد للاعترافات العالمية بالدولة على حدود 67 أن تكون بديلاً ، أو بالأحرى تعويضاً عن عدم قيام هذه الدولة ؟...هل هي غطاء للدولة ذات الحدود المؤقتة وتسهيلاً لعملية ابتلاعها وتبليعها للشعب الفلسطيني والرأي العام العربي ؟... هل رفع مستوى تمثيل البعثات الفلسطينية في أوروبا ، هو الترويج لـ"وهم الدولة" بعد أن تعذر بناؤها؟...هل هي حبات مسكن ومهدّئ ريثما يقضي الله أمراً كان مفعولا؟...هل تحل هذه الاعترافات محل "اتفاق الإطار" الذي يرسم خط النهاية ، أو بالأحرى يحدد "نهاية اللعبة".
من حقنا أن نثير زوبعة من الأسئلة والتساؤلات ، فعمر السلطة جاوز الستة عشر عاماً ، ولم نر هذا الحماس للاعتراف بها دولة مستقلة على حدود 67 ، وعمر البعثات الفلسطينية في العالم تخطى الثلث قرن أو يزيد ، ولمّا يفكر كثيرون بترفيع مكانتها إلى المستوى "الدبلوماسي"...لماذا الآن ، ولماذا بعد فشل واشنطن في إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان توطئة لاستئناف المفاوضات؟...لماذا الان وعلى امتداد العام المقبل كما تشير التصريحات والمواقف الصادرة عن العواصم الأوروبية بخاصة ، وهل لذلك صلة باكتمال بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال؟..ما علاقة هذه الاعترافات ، و"التوطئات" السابقة للاعترافات اللاحقة ، بحديث أوباما عن "موعد في الأمم المتحدة العام المقبل ,2011
مع الاحترام والتقدير لكل الدول والحكومات التي اعترفت بالدولة الفلسطينية خصوصا في أمريكا اللاتينية ، فإننا لا نستطيع قراءة مسلسل الاعترافات و"الترفيعات" لممثليّات منظمة التحرير ، بمعزل عن سياق الأحداث في الضفة الغربية ومجرى عملية التفاوض والسلام ، وسياق الأحداث يقول ، أن المفاوضات وصلت طريقاً مسدوداً ، وأن "الحل المُتفق عليه" بات وراءنا ، وأن الفرصة الوحيدة المتاحة الآن هي لـ"الحل المتواطئ عليه".
و"الحل المتواطئ عليه" هنا ، هو المزيج الذي أشرنا إليه من قبل ، ما بين سلام نتنياهو الاقتصادي ومشروع"تصريف الأعمال" لبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال ، وهو المزيج الذي دعّمه ليبرلمان أمس الأول ، بإطلاق وعود "عرمرمية" تصل بمعدل دخل الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية إلى 20 ألف دولار سنوياً ، عندها وعندها فقط ، سيقبل الفلسطينيون بأي حل وعلى أية مساحة من الضفة ، ومن دون سيادة ولا سلاح ولا ما يحزنون.
من حقنا أن نسأل عمّا إذا كان "العالم" أو بالأحرى "المجتمع الدولي" ، قد وصل إلى هذه القراءة التي طالما تحدثنا عنها وتناولناها في هذه الزاوية ، وهل قرر "التغطية عليها" و"الإسهام في تمريرها" أم أنه قرر منح الفلسطينيين "جائزة ترضية" تعويضا عن خسارتهم للجائزة الكبرى المتمثلة في إنهاء الاحتلال والعودة إلى خطوط الرابع من حزيران عام ,1967
ونزداد قلقاً على قلق ، عندما نستمع لكل هذا التطبيل والتزمير لـ"الفتوحات الدبلوماسية" الفلسطينية من قبل بعض رموز السلطة ، وعندما نرى كل هذه المبالغة من قبل رموز حكومة تصريف الأعمال بإنجاز آلاف المشاريع على الأرض ، وهي إنجازات وضعها تقرير لـ"كارنيجي" في حجمها الطبيعي من دون زيادة أو نقصان ، مشيراً إلى تواضعها .
يبدو أن العالم قرر مشاركتنا في حفلنا المنتظر في الهزيع الأخير من العام المقبل ، بإعلان قيام الدولة الفلسطينية للمرة الثانية ، المرة الأولى كانت خارج فلسطين ، والثانية على أقل من نصف مساحة الضفة الغربية ، على أمل أن تكون "الثالثة ثابتة" ذات يوم ، فتمتد ولاية الدولة على بقية الأراضي المحتلة عام ,1967
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور