يقول هدسن ( إن الفن هو التكامل بين العاطفة التي يحسها الفنان وبين الصورة التي تعبر عن هذه العاطفة ...) والفن القصصي هو احد الفنون الأدبية التي عرفها الإنسان منذ أن عرف وجوده.. اذ انه نشاط إنساني يلبي حاجات نفسية واجتماعية وأدبية وتعليمية وجمالية .. يدور في أساطيره وحكايته الشعبية وقد اعانه الخيال على ابتكاره وتخصص بسرده أفراد يمتازون بالقص المبالغ فيه والمهول بالأحداث . وأصبحت هذه الحكايات نواة لصنف أدبي هو (القصة) الذي اخذ يستمد من الواقع مقوماته ويمد القارئ بتجارب تكشف له آفاقا جديدة مستوعبة الحياة بصورها واحداثه.. وقد اعتمد أصولا وتقاليدا منها الصراع ونمو الأحداث حتى الذرة والانحدار صوب النهاية.
والإنسان بطبعه يبحث عما هو جديد وممتع من خلال إشغال قواه الفكرية.. فيبتكر.. ويوجد.. ويطور فيبدع..
والقصة التداولية التي بين ايدينا ما هي الا نتاج التطور الفكري الذي لازم المراحل التاريخية. فكان جنسا ادبيا له ميزاته الخاصة التي ميزته على الفنون السردية الاخرى .. اذ انه انتشر على مواقع الانترنت وابدع فيه من ابدع .. وتجربتنا اليوم توثق على الورق بمشاركة مجموعة من القصاصين الذين ابدعوا معرجين على مقدمة وحدث.. حتى خلق احداث ونهاية.. فتتحرك في زمان ومكان مفتوح وهم يعتمدون تفجير اللغة مع ابتعاد الاستعارات النمطية باختزال الزمن وتكثيف الاحداث مع تكنيك حداثوي معمق الدلالة .. لذا فهي تحتوي من الطاقة الشعرية ( سعد ) والحبكة المشاكسة ( الجنابي ) والتهكم اللاذع ( صالح ) وتشكل بؤرة تتجمع فيها صور تشكل مفارقات كاتبيها الذين يكتبون بنمطية خاصة تعتمد الجملة المتوهجة .
فالقصة التي حملت ( مقاطع حمادي التفاعلية ) تمثل الرؤية دورا بارزا في رمزية ادراك الواقع وتوليد متخيل القصة .. تتسع الرؤية فيها من بصرية الى حدسية فمعرفية وتنفتح على المحتمل.. فتكون نوع من الصورة – الرؤيا كما يقول د. احمد الطريسي
فالقاص صالح جبار ( صاحب المشروع ) الذي كتب مقدمة القصة وهو يحاول اقتناص اللحظة الحياتية التي انحصرت في ( الامنية ) في اقامة علاقة مع تلك الجميلة باعتماد اسلوب الفلاش باك وحوار الذات ( البارحة تذكرت خالتك بصوتها الشجي تغني ( هو صحيح الهوى غلاب ) انها تمثل انفراد الذات وتطرح عذاباتها فتصور الكبت الذي تعانيه المرأة التي تكشف عنه وهي تحاور ذاتها عن طريق اغنية او مثل اوحسرة – فما زلت صغيرا في نظرها .. اسمعها تشتكي دائما من حمادي فهو لا ينام معها .. وهذا يعني فراق جسدي بينها وحمادي الذي خلق فجوة الابتعاد وكان سابقا اتحاد زوجي محققا نشوة الوجود .
اما علاء الجنابي فقد اعتمد نفس الاسلوب خالقا احداث جديدة ومنتهيا بحمادي وفراقه له..
حينما تصرخ.. حمادي .. حمادي نهضت فيما انطلق القطار يومئ بايماءة الوداع.. وهنا يعني ان القطار الرمز الموت الذي اختفى خلفه حمادي مودعا اياها منفردة صارخة.. هذا يعني ان صالح والجنابي التقيا في النهاية فصالح الفراق الجسدي الذي يجرنا الى الموت والجنابي قطار الزمن وانطلاقته يعني حمل جثة حمادي وحقق الفراق الابدي .
اما سعد السوداني فقد خلق احداثا جديدة – الركل – غرز السكين بحلم اليقظة ينتقل منها الى نهاية الامل بعودة حمادي من خلال حوار الذات ومن ثم عدم بيع نفسها ( زوجي حمادي سيعود حتما ما دام قطار اخر الليل في طريقه الى المحطة .. )
وفي هذا الامل يشاركه القاص عبد الكريم حسن مراد ويشارك سعد السوداني ( حتما سيعود.. قلت لها ذلك.. لكي اخفف عنها شيئا من وطأة الحزن ) لذا فالمشاركة هي تعاطف وهذا يعني ان حمادي مات حقا وتركها وحيدة .
لقد وفق عبد الكريم في خلق نهاية لهذه القصة والتي تعتبر من اركانها واصعبها .. اذ انه استطاع ان يلتقي مع البداية اذ كانت – قد جعلت من الفراق فراقا جسديا اما النهاية فقد جعلت منه فراقا روحيا وجسديا ..
اسمعها تاتي من هناك .. من زاوية غير مرئية وهي تصرخ باسم حمادي .. حمادي حم.... دي وهذا التقطيع يعني نهايتها ايضا تجعلنا مشاركين لهما الانفراد .
لذا نقول ان هذه التجربة كشفت عن ابداع فني جديد وقدرة على السرد القصصي ومن ثم اثبات وجود مع الاستمرارية..
كون البنية القصصية عندهم تتمظهر من خلال الوحدة المكثفة الضربة الموجزة في نهاية كل مقطع .. فالكتاب توصلوا بتحديد مصير الشخوص والوقائع باعتماد لغة شعرية شفيفة متسلطة على مناطق الاثارة مع نجاح في توصيل افكارهم ورؤاهم مع تجريدهم من لغة ( الانا ) والانا الاخر في لغة الخطاب مع بعد الزمكانية بتداخلات لغة الايقاع الشعري في النص تاملا ..