بسقوط نظام الرئيس محمد حسني مبارك ، تكون "وساطة مصر وورقتها" قد سقطتا... وحتى إشعار آخر ، لن يكون بمقدور القاهرة أن تضطلع بدور خارجي مؤثر ، أقله حتى تفرغ من ترتيب بيتها الداخلي.

حماس فرحة بغياب "الورقة ـ العقدة"... وفرحة أكثر برحيل الوزير عمر سليمان ، فالخلاف مع الرجل "تشخصن" في الآونة الأخيرة ، وقد نقل عنه وسطاء ومحاورون ، طوفانا من الشتائم والتهديدات للحركة وقيادتها في دمشق ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل... أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، فهو وإن كان لا يتنكر لصداقته مع "العهد المصري القديم" ، إلا أنه يؤكد في مجالسه الخاصة ، بأن قنواته مفتوحة مع "العهد المصري الجديد" ، نافياً بشدة ما يقال ويتردد عن "ظهره المكشوف"... مسترجعاً مقولة أن "الدرس الكويتي" أملى ويملي عليه ، أن ينأى بنفسه وبالسلطة والمنظمة عن صراعات الإقليم واضطرابات دوله وثوراتها.

الخلاصة ، أنه برحيل الرئيس مبارك ونائبه سليمان ، نشأ فراغ في مساعي الوساطة الإقليمية بين فتح وحماس.. وهو فراغ يبدو أن الدبلوماسية المصرية لن تعود لملئه في المدى المنظور ، ما يفتح الباب لاستدعاء مساعْ حميدة ووساطات ، نأمل أن تكون حظوظها أفضل بكثير من حظوظ المساعي التي بذلها النظام المصري المرتحل.

قد يقول قائل ، وما حاجة الفلسطينيين للوساطات والوسطاء ، طالما أنهم قادرون على الجلوس على مائدة واحدة ، وتبادل الأحاديث والأفكار والمبادرات.. أو طالما أن هناك سيلا من المبادرات المستقلة والأهلية التي تقوم بها شخصيات فلسطينية مستقلة... الجواب على هذا القول ، أن محاولات الفلسطينيين لإنجاز المصالحة "ذاتياً" لم يكتب لها النجاح من قبل ، وقد لا يكتب لها النجاح من بعد ، لا سيما أن كل جولة فاشلة من جولات الحوار بين فتح وحماس ، كانت تنتهي إلى تعميق الفجوّة بينهما بدل تجسّيرها.

نحن بحاجة لوسيط نزيه يسرّع جهود المصالحة والحوار ويساعد على إنهاء الانقسام... وسيط يحظى بعلاقات طيبة مع الجانبين ، ويمكن أن تكون له "دالّة" عليهما... وسيط متحمس لدور كهذا وراغب فيه... وسيط ليس مهجوساً بتحديات الداخل و"أخطار الثورات القادمة"... وسيط يمتلك منظومة حوافز تجعل الأطراف المصطرعة راغبة في "الإنصات" لما يقول.

في التجربة العربية الحديثة ، خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة على وجه الخصوص ، لعبت مصر والسعودية وقطر دور الوساطة بين فرقاء مختلفين... السعودية رعت اتفاق مكة وكانت جزءا من مبادرة "س - س" اللبنانية المغدورة... مصر تولت الوكالة الحصرية في ملف المصالحة الفلسطينية وموضوع شاليط من دون تقدم يذكر على المسارين... قطر وسّعت دائرة تحركها فشملت بمظلتها لبنان ودارفور واليمن ، ولم تقترب من الملف الفلسطيني بسبب الفيتو المصري المثقل بحساسية الدور الإقليمي للقاهرة.

مصر والسعودية ليستا على "الردار" هذه الأيام... الأولى تبني نظامها الجديد على أنقاض نظامها المُنهار ، والثانية تعيد ترتيب امورها الداخلية... لم يبق إذن سوى قطر ، التي تخففت من عبء "الفيتو المصري" ، وبات بمقدورها أن تلعب دوراً استثنائيا على هذا الصعيد.

قطر تحتفظ بعلاقات طيبة مع حركة حماس ، وهي لا تخفي انحيازها لها ، هذا صحيح.... لكن الصحيح أيضاً أن قطر تحتفظ بعلاقات طيبة ووثيقة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس... وبمقدورها أن تبني على هذه العلاقات ، مستفيدة من انتهاء الاحتكار المصري للملف الفلسطيني ، لكي تطور موقفاً أكثر توازنا وفاعلية بين الأفرقاء المصطرعين.

قد لا يعجب اقتراح كهذا أطرافاً فلسطينية عديدة ، خصوصاً بعض مسؤولي رام الله من طراز" فرقع لوز" الذين نشهدهم على الفضائيات... وقد لا يُرضي اقتراح كهذا حماس ، لأنه سيدخل السلطة على خط علاقاتها الخاصة والمتميزة مع الدوحة... لكن عدم ارتياح فرقاء من الجانبين لدورْ قطري مقترح ، هو سبب أدعى للتفاؤل بشأن مستقبل أية وساطة قطرية بين الفلسطينيين ، على ما أظن.

من هذا المنطق ، ومن هذا المنطلق وحده ، أدعو أمير قطر ورئيس وزرائه ، العمل على إنجاز "اتفاق دوحة 2" ، ولكن بين الفلسطينيين هذه المرة... أدعو دولة قطر لإعطاء هذا الملف ما يستحق من اهتمام ، فهو لا يقل أهمية عن ملف دارفور أو الحوثيين... أدعو الفلسطينيين على ضفتي معادلة الانقسام ، إلى تغليب المصلحة العامة ، والمصلحة العامة وحدها.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور