لم أعد أعرف ماذا يجري في «مصر ما بعد مبارك»...ولم أواصل هواية «تسقط أخبار تونس»...حتى الخبر الليبي بتُّ أقرأ عناوينه الرئيسة فقط، ومن باب الاطمئنان إلى أن مجنون ليبيا لن يفلت من العقاب ولن يخرج منها سالماً هذه المرة...حتى «انتفاضة الشعب يريد إنهاء الانقسام»، لم تعد مدرجة على جدول أعمال متابعاتي اليومية، لا لأنها تكاد تكون قد أجهضت فحسب، بل ولأن «واقعة الدوّار»، ما أعقبها وما تلاها من مواقف وتداعيات وسلوكيات وممارسات وظواهر، تكاد تأخذني إليها بـ»قضي وقضيضي» كما يقال.
كل ما فعلناه خلال السنوات الأربعين الماضية، تكشفت آثاره ونتائجه وتداعياته، دفعة واحدة...بين عشية وضحاها...كل ما انتهجناه من مواقف وسياسات على المستوى المحلي – والخارجي إلى حدٍّ ما – سقطت نتائجه بين أيدينا، كثمرة مرة مليئة بالأشواك والعلقم...لم يبق لدينا سوى القلق والتحسّب والخوف من المستقبل ومجاهيله ومغاليقه.
الدولة، التي ظننا أنها استيقظت من «حالة الإنكار» التي عاشتها في سنواتها الأخيرة، لا يبدو أنها فعلت ذلك حقاً...هناك من يمارس يومياته كالمعتاد «»Business as usual....الظرف استثنائي، فنأتي بحكومة عادية، أو أقل من عادية...التحديات جسام، فنشكل لجنة حوار، تآكلت صدقيتها ومشروعيتها، قبل ان يلتئم شمل أعضائها في اجتماعهم الأول...نواجه لحظة الحقيقة والاستحقاق، لحظة التحوّل والانعطاف، في «جمعة الداخلية»، فلا نتصرف بأكثر من إطلاق الدعوات لضبط النفس وحفظ النظام وترميم لجنة الحوار وترقيعها...ما زلنا نتحدث بذات المواقف والسقوف والشعارات والأولويات، مع أن ما حدث يستلزم قرع جملة من نواقيس الخطر، لا ناقوساً واحداً فقط.
وزير الإعلام يتحدث عن إعلام مسيء للوحدة الوطنية وتحريضي، ويلوّح بالاستقالة – ليته استقال - إن لم تكف وسائل الإعلام، بما فيها الحكومية، عن إثارة النعرات والتحريض والتأليب...يا إلهي كم تواضعت مطالبنا وسقوفنا...كنا نريد إعلام دولة بديلا عن إعلام الحكومة...اليوم صرنا نطالب الإعلام الرسمي بأن يتخطى لغة «البلطجية» إلى لغة أكثر توازناً واتزاناً.
نقول ذلك، وليس في البال أبداً، تبرئة الإعلام الحكومي – بعض الإعلام الحكومي - عن انضمامه لحملة الحجارة والهروات والجنازير...هذا كان يحدث دائماً، ولكن على نطاق أقل...هذه المرة الإعلام – بعض الإعلام – كشّر عن أنيابه...هل نتوقع تغييراً؟...هل نتوقع استراتيجية جديدة، ولماذا الاستراتيجية أصلاً؟...وبم ستختلف الاستراتيجية عن الرؤية..ألم نثر كل هذه الأسئلة قبل ثماني سنوات، ما الذي تغير؟...وانظروا من سيضع الاستراتيجية، هم أنفسهم الأشخاص المسؤولين عن سياسات الإعلام ومؤسساته، الذين اشتكى منهم طاهر العدوان ولوّح بالاستقالة «إن لم يرعووا»...قيادات المؤسسات والسياسات الإعلامية التي أخذت الإعلام الرسمي إلى وضعه المزري والمؤسف ما حدا بالملك إلى فتح هذا الملف في رسالته الشهيرة للحكومة...رموز الإعلام المتراجع وفقاً للرسالة الملكية، هم أنفسهم المكلفون بإيجاد المخارج والحلول والارتقاء بالإعلام الأردني، رسالة وأداء ومؤسسات وسياسة، إلى مستوى الرؤية الملكية كما يقال في خطابنا اليومي،....نحن نعرف سلفاً كيف ستنتهي الأمور...نحن نقرأ سلفاً فصول الاستراتيجية الإعلامية الجديدة...الأزمة مستمرة.
كنا ننتظر مبادرة سياسية إنقاذية، تضع البلاد على سكة المخارج من الاستعصاءات التي تواجهها...كنا ننتظر تشكيل خلايا عمل تصل الليل بالنهار، لدراسة ما نشأ من ظواهر، والإجابة عن أسئلة التحوّلات الخطيرة والمقلقة في بينة الدولة ومؤسساتها وسلوكها، وفي التغييرات التي تعصف بالمجتمع والحراك الاحتجاجي وإلإصلاحي...لكن شيئاً من هذا لم يحصل...»الموظفون» يمارسون طقوسهم اليومية كالمعتاد، بما في ذلك «التمطي» على مقاعدهم الطبية الوثيرة....يبدو أن كلمة «اختراق» أو Breakthrough»» ليست مدرجة في قاموسنا السياسي.
أسوأ ما تكشّف من ظواهر خلال الأيام القليلة الماضية، تلك التي تشير إلى «ضعف إرادة الإصلاح والتغيير»، ليس لدى المسؤولين وصنّاع القرار كما اعتدنا القول فحسب...بل ولدى النخب السياسية والاجتماعية كذلك...أنظروا بالله عليكم كيف يتصرف الوزراء «الإصلاحيون» في الحكومة...أنظروا كيف يتصرف بعض الأعضاء «الإصلاحيين» في لجنة الحوار...أصوات ارتفعت بقوة، لكنها سرعان ما انطفأت حين استوى أصحابها على «أرائك السلطة» أو «الجاه/ البريستيج»...إن كان ما حصل في «جمعة الداخلية» وما أعقبه، ليس كافياً لنفض اليد كلياً من أوزار هذه السياسات، ورفع سقف المطالب المنادية بالمحاسبة عن ضياع هيبة «العدل والقانون» وإشاعة «ثقافة الكراهية» و»إعلام التحريض والفتنة»، فما الذي ننتظره لتسجيل وقفة وموقف...إن كل هذا المخاض الأردني العسير، سينتهي إلى تعديلات طفيفة على قانوني الأحزاب والانتخاب، فقد كان حريٌ بنا أن نلزم بيوتنا وصمتنا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور