لدى السيد مصطفي عبدالجليل، رئيس مجلس الحكم الانتقالي الليبي، معلومات عن قيام الجبهة الشعبية- القيادة العامة، بإرسال ألف مقاتل فلسطيني لنصرة العقيد القذافي في حربه المجنونة على شعبه. إن صحت «اتهامات» السيد عبدالجليل، ولسنا هنا في معرض تكذيبها، فإن لهؤلاء «المقاتلين» اسما واحدا: «مرتزقة»، وهم بهذا المعنى لا يختلفون أخلاقياً وسياسياً وحقوقياً عن آلاف المرتزقة الذي اشتراهم عقيد ليبيا ومجنونها، بأموال شعبها، ولكي يطعنوه في الصدر والقلب والظهر والرأس، فيثخنوا في جراحاته وعذاباته.

نحن نميل إلى تصديق رواية عبدالجليل، ولأسباب عدة، بعضها قديم وبعضها الآخر حديث، ونبدأ من الآخر.. فالجهبة الشعبية- القيادة العامة، أصدرت بياناً تضامنياً مع «الجماهيرية» -وليس مع ليبيا- ومع «الأخ القائد» وليس مع الشعب والثورة الليبييين.. وهي رأت أن ما يحصل في ليبيا، ليس سوى مؤامرة على «ثورتها» ودورها «التاريخي»، وهي التي جعلت من «القدس» كلمة السر لثورة «الفاتح العظيم».. ولم يبخل البيان بالطبع، في كيل أقذع الشتائم والنعوت ضد المتآمرين والمنافقين والمضللين إلى غير ما هنالك. بالمناسبة صدر عن الجبهة الشعبية– القيادة العامة، بيان مماثل، وربما بذات اللغة تقريباً، يدين المؤامرة على سوريا، ويتضامن مع «نظامها المقاوم والممانع»؟.

للجبهة الشعبية- القيادة العامة، من ضمن فصائل فلسطينية عدة، علاقات قديمة- حديثة مع نظام القذافي، لقد حظيت على كل ما يمكن لفصيل أن يحظى به من دعم سياسي ومالي وعسكري ولوجستي من نظام مقتدر وفاسد كنظام العقيد.. كانت التنظيم الأقرب إلى «الجماهيرية».. وتبادلت معه الخدمات السرية والمعلنة، بعضها ذاع صيته و»فاحت رائحته» وبعضها الآخر ما زال في دائرة الكتمان و»قيد التحقيق».. ولقد سبق للقيادة العامة، إن أرسلت قوات للعقيد، من أجل درء الهجوم التشادي الذي كاد يطيح بمملكة الفساد والإفساد والمؤامرات والمتآمرين، ذات صيف قائظ في أواسط ثمانينيات القرن الفائت، يومها والحق يقال، تورط شيوعيو لبنان برئاسة الشهيد جورج حاوي واشتراكيوه برئاسة طويل العمر، وليد جنبلاط جنباً إلى جانب مع فصائل فلسطينية ولبنانية أخرى في إرسال ما بين 3000 و 5000 مقاتل فلسطيني ولبناني إلى قاعدتي سارة ولوار على تخوم إقليم أوزو.

ما فعلته الجبهة الشعبية- القيادة العامة، سبق لفصائل مرتبطة بأنظمة عربية أخرى، أن فعلت شيئاً مشابهاً له، وبصورة ألحقت ضرراً بصورة الشعب الفلسطيني وقضيته ومصالحه.. جبهة التحرير العربية التي كانت محتسبة على نظام الرئيس الراحل صدام حسين، فعلت شيئا مماثلا في الكويت زمن الاحتلال العراقي لها، ولقد تورطت فصائل أقل شأناً في أعمال «قذرة» هناك، ولّدت فجوة بين الشعبين الفلسطيني والكويتي، لم تردم حتى الآن.. ونحمد الله أن الفصائل التي تقوم بأعمال شائنة من هذا النوع، لم تكن يوماً في موقع القيادة والقرار في الحركة الوطنية الفلسطينية، وإلا لكانت الطامّة الكبرى.

ونعود إلى تصريحات عبدالجليل واتهاماته للسيد أحمد جبريل، أمين عام الجبهة، بإرسال ألف مرتزقة فلسطيني إلى ليبيا.. عبدالجليل «استنجد بنبيه بري وحسن نصرالله للضغط على «القيادة العامة» من أجل سحب مرتزقتها، ظناً منه أن لهؤلاء «دالّة» على جبريل وقيادته العامة، واقتناعاً منه بأن تعاطف النظام السوري مع القذافي، وربما دعمه له، سيجعل من غير المفيد التوجه إليه بنداء مماثل.. لقد حاول عبدالجليل محقاً، توظيف الائتلاف والاختلاف بين أركان «معسكر المقاومة والممانعة» لخدمة أهداف الثورة الليبية، فهذه الأطراف التي تنضوي تحت مظلة معسكر واحد، منقسمة على نفسها حين يتعلق الأمر بـ»العقيد وجماهيريته»، وهو انقسام يعود إلى زمن «الإمام المُغيّب» موسى الصدر.

نحن في الحقيقة، نضم صوتنا إلى أصوات الثائرين في مصراته وبنغازي وطرابلس واجدابيا والكفرا. ونطالب «الجبهة الشعبية- القيادة العامة» بتدارك الموقف، وسحب المرتزقة إن كانت قد أرسلت فعلاً مرتزقة فلسطينيين إلى هناك لقتال الشعب الليبي.. نطالبها بسحب البيان المشين عن «المؤامرة على القذافي وجماهيريته».. فمثل هذا الموقف لا يعبر عن الشعب الفلسطيني ولا ينتمي إليه ولا ينطق باسمه.. الشعب الفلسطيني منحاز لأهل وأشقائه من الشعوب العربية المنتفضة على أنظمة الفساد والاستبداد، تستوي في ذلك أنظمة «الاعتدال» بـ»أنظمة الممانعة».. الشعب الفلسطيني الذي طالما احتضن من قبل شعوب أمته، لن يكون إلا في خانة التضامن التام مع شعبي ليبيا وسوريا، تماماً مثلما كان متضامناً مع شعبي مصر وتونس، ومثلما يفعل الآن مع الشعب اليمني وكل الشعوب العربية المنتفضة ذوداً عن كرامتها وحريتها.

ندرك أن لفصائل العمل الفلسطيني، الوطني والإسلامي، ظروفاً صعبة في بلدان المنافي والشتات، تملي عليها أحياناً اتخاذ مواقف «غير مريحة».. ندعو هذه الفصائل للعمل بفضيلة الصمت، ومن باب أضعف الإيمان.. ونستهجن قيام أي منها بدعم ديكتاتور أو نظام فاسد، تحت أي حجة أو ذريعة، وهم إن فعلوا، فباسم شخوصهم ودفاعاً عن مصالحهم الفئوية الضيقة والرخيصة، وليس باسم شعب فلسطين ولا ذوداً عن قضيته الوطنية النبيلة.. ليس وفاءً لتضحيات شهدائه ومناضليه ولا عرفاناً بجميل شعوب أمته عليه.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور