يكاد المتتبع للمشهد السياسي العربي المتحرك، يقيم تماثلاً بين "التعددية السياسية والحزبية" التي تشهدها دولنا ومجتمعاتنا العربية من جهة و"التعددية الدينية، المذهبية والطائفية" من جهة أخرى... ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر، صعدت إلى سطح الحراك السياسي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، الحركة السلفية بمدارسها المختلفة، كمعادل لنفوذ الحركة الإخوانية ذات الجذور التاريخية الراسخة في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية، وصعود الحركتين معاً، أسهم في انبثاق حركة "قبطية"، ذات طابع ديني/ كنسي، يجنح بدوره للتطرف والغلو.
في الكويت، شهدنا تراجع التيار الليبرالي، لصالح تيارات ثلاث: الإخواني والسلفي ( في البيت السني) مقابل التيار الشيعي، ولعل "الاشتباك بالعقل- من عِقال وليس عَقل" الذي شهده البرلمان الكويتي مؤخراً، بين نواب شيعة (روافض) وسلفيين (تكفيريين)، هو آخر مثال عن تفشي الاستقطاب المذهبي داخل "التعددية الكويتية".
في لبنان، كان الداعية عمر البكري، الذي سبق له وأن أطلق تصريحات لافتة في تأييدها لحزب الله، إثر قيام الأخير بمساعدته على الخروج من سجنه في لبنان، كان البكري واضحاً في وصف "حالة التفلت" لدى شبان المدرسة السلفية في طرابلس وعكار والضنية، وهي المعاقل الأكثر رسوخاً للسلفية، فيما الحركة الإخوانية اللبنانية تعاني ضعفاً لافتا، مقابل مدرسة متماسكة ومهيمنة في "الشيعية السياسية" تعبر عنها ثنائية أمل وحزب الله.
في الأردن، طفت الحركة السلفية على السطح مؤخراً... من خلال التظاهرات والاعتصامات والاشتباكات بالأسلحة البيضاء في "واقعة الزرقاء"، وهذه الحركة على اختلاف مدارسها، لقيت دعماً أو على الأقل "غض طرف" من قبل الحكومات المتعاقبة، ظناً منها أن استخدام هذه الحركة في مواجهة تهديد إيران وحلفائها، ومعادلة نفوذ الحركة الإخوانية، يمكن أن يكون أمراً مثمراً... وهو ما حصل فعلاً لبعض الوقت، قبل أن ينقلب السحر على الساحر، وتجد السلطات نفسها في "حيص وبيص" من أمرها حيال النفوذ القوي لجناجي حركة الإسلام السياسي.
في سوريا، لا يخلو تقرير أو نشرة أخبار من حديث عن "السلفية المقاتلة" التي تطلق النار على الجيش وتستهدف الأجهزة الأمنية... الإخوان أيضاً، جزء من معادلة الحراك الاحتجاجي الذي يطوف بمختلف المدن السورية... لا نسمع شيئاً عن اليسار والقوى العلمانية والوطنية، سوى البيانات التي تصدر عن المراصد والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني أو معارضات سورية خارجية لا مصداقية لها، تُطل علينا من وراء الأطلسي ومن قاعات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية.
البحرين أوضح نموذج على ضياع التيارات العلمانية واليسارية والتقدمية، وانضوائها تحت أجنحة الإسلاميين: السني الموالي والشيعي المعارض، في استقطاب غير مسبوق على الإطلاق بين ضفتي الوطن أو شطري سكانه.
ليبيا أيضاً، قيل ما قيل عن نفوذ السلفية والإخوان في أوساط الحراك الشعبي المعارض والمقاوم لسلطة القذافي الإجرامية.. وقيل ما قيل عن نفوذ القاعدة وامتداداتها "الشمال-أفريقية"... لا أحد يأتي على ذكر تيارات أخرى.
على الخط الإسلامي السني، برز حزب التحرير كلاعب مهم في الأشهر الأخيرة... الحزب المحظور في الأردن نظم اعتصاما أمام السفارة السورية في عمان وآخر أمام مسجد الجامعة الأردنية وثالث في الرمثا... والحزب متهم بأنه ضالع في "المؤامرة" على سوريا، وهو مرخص في لبنان دون غيره من الدول العربية، ويتحرك بنشاط في شماله، والآن للحزب قاعدة نفوذ تتسع باطراد في فلسطين.
إذن، نحن أمام إسلام سياسي سني متعدد ومتنوع، يقابله إسلام سياسي شيعي متعدد ومتنوع كذلك، وكلاهما ينتجان مدارس سياسية دينية مسيحية، متعددة ومتنوعة أيضاً وأيضاً... لكأن التعددية في مجتمعاتنا العربية، محكوم عليها أن تأخذ طابعاً مذهبياً أو طائفياً، بدل أن تكون تعددية فكرية وسياسية عابرة للطوائف والمذاهب، وموحدة للبلاد والعباد أفقياً بدل أن تكرس انقساماتها عامودياً.
أين التيارات السياسية والفكرية العربية الأخرى... أين الشباب وثورات الشباب؟... أسئلة وتساؤلات، لن نعرف إجابة شافية ووافية عنها ولها، إلا بعد أن نعرف نتائج صناديق الاقتراع في أول انتخابات حرة ونزيهة سيشهدها العالم العربي في مصر وتونس... عفواً ثاني انتخابات حرة ونزيهة بعد تجربة "الانتخابات تحت الاحتلال"، الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين عام 2006 والاحتلال الأمريكي في العراق عام 2010، ولعلها المفارقة أن أكثر الانتخابات نزاهة التي جرت في عالمنا العربي طوال السنوات العشر الأخيرة، تمت تحت ظلال الاحتلال الأجنبي، فيما دول "السيادة" و"الاستقلال" قارفت أبشع أنواع التزوير والمصادرة لإرادة الشعب والناخبين.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور