1-1 أهمية المعجم في الوصول للدلالة اللغوية
يعكس المعجم بعض خصائص اللغة من حيث الدلالة على المفردة، والمعجم كذلك يدل على مجموعة من المعاني التي يمكن أن توصل المتتبع للمبتغى والقصد، لهذا لا مفر من العودة للمرادف اللغوي الذي يعطي الدلالة الأولى. يجعلها أحمد مختار عمر (وهو من الكتاب المهتمين بعلم الدلالة في صيغتيها الغربية والعربية) ذات صلة بالأولية المعنوية في انتظار تحقيق المعاني الثانوية، التي تحقق الانتقال من المعنى الأول إلى الدرجة الثانية ( المعنى الثاني).
يقول:" المعنى الأساسي أو الأولي أو المركزي ويسمى أحيانا المعنى التصوري أو المفهومي، أو الإدراكي. وهذا المعنى هو العامل الرئيسي للاتصال اللغوي والممثل الحقيقي للوظيفة الأساسية للغة، وهي التفاهم ونقل الأفكار.
وقد عرف (نيدا) Neda هذا النوع من المعنى بأنه المعنى المتصل بالوحدة المعجمية حينما ترد في أقل سياق أي حينما ترد منفصلة." [1]
كان الحديث في الأصل مجرد ذكر للمرادفات اللغوية المتصلة بلفظة معينة في علاقاتها المنفصلة، كأن نجد معنى لكلمة ( دلَّ) في القواميس دالا على المعنى مرادفا ومنه نتربص المرادفات الأخرى التي يمكنها أن تحدد التحول المعنوي، أو التحول الدلالي.
لن نعطي مثالا مبينا لهذه الظاهرة لأن كل المعاجم والقواميس تجمع هذه العدة وتحقق المبتغى المنفصل عن السياق ، ثم كونه يعد:" في واحدة من زوايا النظر إليه المرجع الذي يحتوي ألفاظ اللغة- أي ما يستطاع تدوينه منها- ويصف أحوالها الدلالية." [2]
لذلك وجب علينا أن نتدرج إلى ما هو أكثر تخصيصا من حيث الوصول إلى المبتغى من البحث، إنه السياق الذي به وعليه العمَد والاعتماد.
1-2- مستوى المضمون والدلالة السياقية
سؤال الآليات يطرح في هذا الحيز بشدة لأساب عدة نذكر منها:
·أحقية المعنى من حيث الدلالة على الكلام المنطقي المرتبط بالعبارة/ الجملة.
·أهمية المنهج الذي يطرح الخلفية الذهنية أو الدلالة العقلية كما حددها النقد العربي القديم من جهة، إذ نربط الحالة الكائنة بالممكن أو لنقل رسم علاقة الظاهر ( وهو في النص الإبداعي المفردة المنطوقة) بما يحتمله العقل وما يرشد إليه.
من هنا :" تقتصر الدلالة العقلية على دلالة الأثر على المؤثر كدلالة الدخان على النار وما تشابه ذلك، مما يؤدي إلى حصر الدلالة العقلية بعلاقة العلية." [3]
ولعل السياق يفرض كذلك أولية النسق المضموني في النص لا على أساس الموافقة الآلية للمعنى دون التجلي والإظهار للمقومات الجمالية، بمعنى امتهان النسق أداة للترابط الكلي والمنطقي بين دلالات النص؛ لكن في مقابل ذلك يهدف إلى خلق الكفاية النسبية لتحقيق منطقية النص. من هنا نقول مع محمد مفتاح إن السياق يقوم:" بدور كبير في تحديد الشيء وترتيب مقوماته الذاتية والعرضية، أو في إسناد رسوم إليه، لأنه بدون سياق سينحصر التحليل في المفردات أو المصطلحات، أو المفاهيم الجزئية المنفصلة ، أو يظل في متاهة المعرفة الخلفية التي لا يدري آخرها من أولها." [4]
·أهمية الناحية الجمالية في النص الأدبي باعتبار أولوية السياق في الإنتاج الدلالي ( المبدع / المتلقي)، عن طريق خلق الجو الملائم لتحديث المعنى عبر المحطات الجمالية من مجاز واستعارة وكناية وغيرها.
·نقطة أخرى يمكن أن نصطلح عليها باستعداد الطرف القارئ في إنتاج الدلالة، لا على أساس التساوق المنهجي فحسب، ولكن من جانب الإحاطة بالمتغيرات التي يمتلكها مع المبدع لكسب رهان النسق والسياق العام الذي تحمله معاني النص.
إن النص الإبداعي مع ما يحمله من متغيرات لا يلبث على حال. لذلك نقول إنه يتحول، والتحول الدلالي يفضي إلى الاهتمام بالشكل الاجتماعي الذي يحيط به. مع ذلك تسعى الدراسة الأدبية إلى أن تتملص من هذه الأحقية خوفا من التوغل في الهوامش غير الشرعية، كأن تحيط بالجوانب التي لا يرضى المبدع الإفصاح عنها.
لذلك كان الاهتمام بالسياق ذا أفضلية منهجية من جهة، وذا أولوية معرفية للوصول إلى الدلالة. ولكي نتوقف عند مسوغات الدلالة ، لابد أن نكون محتاطين من سلطة المبدع الذي يختار من التراكيب ما يخدم أسلوبه، وينتقي من الألفاظ ما يوصله إلى المعنى بأنواعه:" ولقد ميزت الدراسة الدلالية بين أنواع عديدة من المعنى، واعتبرتها أساسية في الوصف الدلالي، منها المعنى التقريري، والمعنى الإيحائي، والمعنى الإجرائي، والمعنى الماهوي..مما أنها اهتمت بالسياق باعتباره أداة إجرائية تلعب دورا مركزيا في تحديد المعنى، إذ يكاد يتفق معظم الدلاليين أن للكلمة معنى قاعديا sens de base)) ومعنى سياقيا (Sens contextuelle) وبذلك يظهر أن أي اقتراب من قضية المعنى يحث على معرفة السياق." [5]
1-3- الدلالة الاجتماعية: السياق الاجتماعي:
يجري المعنى في النص على النحو الذي يرتضيه الظرف والسياق الاجتماعي، والنمط المتبع في هذا الاتجاه يسري مسير التتميم للمعنى. يقول أحد الباحثين في الصدد نفسه:" إن السياق الاجتماعي متمم للمعنى لا يمكن الاستغناء عنه في تفسير اللغة، ولقد اهتم أستاذنا (فيرث) بهذه الناحية واستعمل العبارة الإنجليزية Cortext of situatationالتي نترجمها سياق الحال كاصطلاح فني لدراسة الكلام في المحيط الذي يقع فيه." [6]
إن الوظيفة التي تلعبها خاصية الظرف أو السياق الاجتماعي كما حبذنا التعامل معه، من أهم الآليات التي نراها تبرز المعنى المختبئ وراء الظاهر. لذا وجب فصل السياق الخاص للفظ داخل الجملة / العبارة، والسياق الاجتماعي الذي يحول المعنى من الظاهر إلى ما وراءه، لتلعب اللغة دور المصاحب الرسمي للمعنى. بمعنى إن السياق الاجتماعي يبرز بعضا من المعاني التي يمكننا الوصول إليها من خلال المعجم و السياق.
مهما يكن الأمر، تبقى الدلالة الثانية البعد الذي لا نصل إليه بالسهولة إذا نحن لم نتسلح ببعض الأدوات الإجرائية التي تضع أمامنا بعضا من السبل الحقيقية التي تنير الطريق.
تحتل صلة اللفظ والمعنى في النص حيزا أكبر مما كان ينظر إليه من خلال بعض النظريات اللغوية الصرفة، خاصة حين يُلجأ إلى تحليل الخطاب اللغوي المعقد. وفي هذا المجال لا بد من العودة للنص الشرعي الذي تنتقل فبه فيه الدلالة من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، تبعا لعادة العرب في إبراز محاسن اللفظ، واختيار المعنى بتتبع الغريب والبعيد عن الأذهان.
لعل الدلالة حين يعبر عنها مجازيا، أي مخالفة الظاهر وما تنطوي عليه القصدية الباطنية، فإن المتلقي لا يمكنه قراءة النص إلا إذا اعتمد آليات التأويل الذي به يعقد الصلة من جديد بين الدلالة اللفظية والدلالة العقلية.
ولنا عودة إلى قضية التأويل، في حين نسعى الآن إلى إعطاء نظرة عن علم الدلالة غربي الأصل حتى نتبين بسهولة بعض الأسس التي تمكننا من فتح الطريق أمام الإجراء التحليلي للنص الشعري ، ومن الأمور التي ينبغي التنبيه إليها قبل تحديد الإطار المعرفي للسيمونتيك :
· إن هذه التنظيرات التي تتبعناها في هذا المبحث أعطتنا نبذة عن الأسس التي أقامها النقد العربي لصياغة قضية : اللفظ/ المعنى.
·الوظيفة التي تلت النظرية اللغوية العربية أعطت الاهتمام بكل المجالات التي بإمكانها البحث في الأسس التعبيرية. من معجم، فسياق، فسياق اجتماعي، وقد تنبه بعض القدامى إلى ذلك من خلال ثلاثية :
- الدلالة الوضعية: (المعجم حيث يتم الاتفاق الضمني بين اللفظ ومدلوله).
- الدلالة العقلية: حيث العلاقة بين الأثر والمؤثر.
- الدلالة الطبيعية: من خلال علاقة الدال والمدلول ينتقل فيها من الأول إلى الثاني عن طريق الطبيعة التي تحكمه، كدلالة الحمرة على الخجل مثلاً وغيرها..
· نشوء هذه الآليات في ضوء الدراسات اللغوية لا يمنعنا من الاستفادة منها لتحليل النص الشعري.
· قيام النص الإبداعي ( الشعري خاصة) على تحولات المعنى، والتحول سبيل إلى اختراق المألوف من القول إلى التحديث اللغوي. وإن كان البعض يذهب مذهب الغموض في الشعر.