لا استطيع مهما فعلت إن ادخل إلى قلب الشاعر شاكر العاشور الذي عرفته شاعرا قبل أربعين عاما,شاعر يلج هالة عجيبة من مخبئات اللاوعي ويأسر الشاعر القارئ برحلة تقوم على لعبة سباق شاقة مع صواري الريح؟فمن منا ياشاعري يلحق الريح ويذبح العاصفة وإذ ما افترضت افتراضا إني كتبت عن ديوانك فهل أصل بكتابتي إلى قولك(فتسلقنا جدار الصمت نستوحيه غنوة)وقولك(وفي شفتي تلبس الأغنيات رداء من الشوك)وقولك((انبتت الأرض في جسدي سروة ورمتني على البحر)فهذه العبارات لاياتي بها الا شاعر مقتدر يحصد من نبوءة الشعر صحوته وطقوسه أتظن :ان الشاعر في وطني يمتطي أعواد النخيل ليحسبها خيولا؟ان تحمل رايتك ولا تطلب من الجهلاء أن يدلوا دلوهم,,أنت ترسم بالكلمات نعشا إليك,ااتتحدث عن ارض تلعن كل شيء وأنت تبصق على الطبول التي صدحت للخرافة فاني أضم يدي إليك وارفع صوتي احتجاجا ..,,لماذا يبعد عن البصرة شاكر العاشور؟؟؟ولماذا يعيش بنفس حزينة
أواه يانفسي الحزينة,أواه ياسيدة الحزن
ثم تتوسل بيونس ان يخرجك معه من بطن الحوت,نعم كان حوت يونس إلهيا صغيرا وحوتك يأكل ذاك الحوت لذا جئت تقول
وما مرفا نم يايونس يايونس نم,أطفالك يمتضغون الصمت على صخرة)ما اروع الفعل يمتضغون؟لو توقفت عند هذه الرؤيا وختمت القدحة ياصديقي ولم تتصيد الأفكار كغيرك وتقلب الدواوين ما يفعل المتشاعرون ولم تتعسف الوجع اعتسافا بل تفيد من التراث النصي بفكر جديد
يا ابي لست مستعصيا,فانا ابنك البار والأقربون واهلك فانتظرني ذاهب وليك الطوفان
هنا تعطرك القصة القرآنية بشذاها وما أبدعك تخرج سيناريو جديدا
ولم تسبح في لجج الرمل بل ناغيت فلاحك من الشطرة(أرحيم)
حين أراح على الحائط ظهره يبكي)
لو ان الريح بريد يحملني نحو الشطرة)
أما قلت في البدء انك تحاصر الريح وتقفل أمام خطواتك المسير فلماذا لاتطلق كفيك إلى النجم كما صرخت في الامتداد
وعرفت الوطن,اغتصب الوطن ,انسلخت أجزائي خارج خارطة الوطن))
وبعد هذه المفاتيح والأسئلة لاتحتاج الى تعليق إلا المقصلة فهي بانتظارنا لاحقا
وكم تكره الشائع والمألوف في ديوانك وأنت تقطع الطريق إلى حدود الطوارئ
على صفحة الماء كان لوجهك ظل)
بربك من يحدق في وجه الماء كيف لايقرا خارطة الجهل في هذا الوطن؟ولا ادري سر عذاباتك مع القلق العسكري ؟لماذا تفكر في هذا الشأن؟
أبونا الذي يملا الأرض اسيجة من جنود الطوارئ)
وقولك
ومناديلنا حين طارت بها الريح مبتلة أرجعتها البنادق مثقلة بالرصاصاما قلت لك ان الريح قد تعبت معك بل لعبت معك العذاب مشتركا وفي دمك الأزرق للبحر ما كنت أجد سببا لقول طاغور فالقصيدة تسيجت برؤى رائعة لماذا تحنطها بجذع آخر؟وأنت تقدم دمك قربانا
فاتسعي مثلما جسدي فوق هذي المياه,يطاول اغلالهم بهواه
ليبقي دم البحر ازرق) انه اصرار عنيد لايخشاه شاكر الذي يتنفس من ظل مختنق وصوت محبوس في قمقم النسيان وناهيك من شمسك اتلي تحنطها في قفص الحب
(وامسك ابالشمس في قفص الحب كي اتطاول اشراقةويطاول بي ليل كل المسافات ظلي )لو كانت كفك تعلن عن تجاعيدها فما حال وجهك ايها البصري المغروس بنار الخوف وصمت الانفجارفقد حولت المعكوسات الى تشظيات مختلفة منهااولا:ارتباطك بحب الارض فانت القائل
(كان وجه الارض مشدودا الى خطوة غيمة وذراعي كان مشدودا إلى معصمها)هذا شعر خالق ومستوى من الاداء الجميل
ولم تنس السمك البصري الشاحب(كان وجه السمك الشاحب في الماء حزيبنا والهواء كان شرقيا)هنا اتوقف مع حلمك حين تقول(وأيامي كما تحلم بالغيمة عصفورة رمل)ولم يعد قلبك نابضا حالما بالبرتقال
لو جئت وجدت البصرة غارقة بالانفجارات ومكتظة باللصوص
ان نهجك الصوري في رسم الوجه ,اليدين ,الجسد لم يغب عن الذاكرة أقول هذا ولم اطلب الشفاعة من احد ليسميني ناقدا فانا لم ادخل باب الاتحاد يوما لأني لا اعرف الشعر ولا النقد كما يزعمون وقد أهديتك جراحاتي في( خيمة من غبار) ويطرح النقد الجمالي سؤالا انعد شاكرا شاعرا ملتزما ؟الإجابة تصرخ نعم ألف مرة وأكثر لأنه شاعر جرفته سيول النسيان وما زال يبحث عن شاعريته في غابة النسيان ولم تأت القيمة الفنية من التزامه حسب بل من جماليات صورها التي سأقطف من بساتينها الكثير بإيجاز(حملت فوق شفاهي إلف ظامئة من الجرار)وصورة التلاصق القرآني(كاد يغيض الماء)وصورة التحولات الرائعة(تفتت صرت مع النهر موجا وبين جذور البساتين جذرا لكل الفصول)وماذا تريدون من شاكر المضحي المفتت لجسده طالبا الفناء في سبيلكم وما أجمل الصورة(أنغرز السيف في خاصرة البحر فسافر عن مرفأه الساحل)هذا شعر بود ليري فما أروعك أيها العاشوري ثم ألا ينتبه احد إلى سينياته المتكررة(وستستنكرني عيناك)وسأذل البحر)وسأحكي لامي عن العاصفات)وسيبزغ من خلال شراعه)وسيولد من ثناياها)وسنطعمها ذرى النخل)وهكذا اظن شاكرا بلا وعي في اختلاقات هذه الصور واظنه يكتب والفكر الذي يرسم على الورق فهو شاعر وليس صانع شعروالتشبيهات التي لعبت اغناء كبيرا للصورةمما يجعل المتلقي متاثرا بها منها(الضائع في البحر المهزوم كموجة )وقوله( كما كانت تسمر عند باب البيت والشرفة)وقوله(كان جهنم واقال( جرد سوطه الحادي)وقوله(( لي روح كما أشتهيك طير) وثمة رموز تطرح عند شاكر لم يفصح عنها وهذا هو السر الجميل لعذابه المكابر(عن القدح العاشر)وعلى( مقلة في جبين الفنار)((وسنلقي للكلاب الغبر لحمك انت من نخشاه)وقصيدة نبية العصر تحمل هذه الرؤى (فالطريق اليك مسيجة بهواي)وإذ يناغي حيدر في ميلاده الثالثة(إن الطريق إليك محاصرة)يكشف عن هم روحي لم يفصح عنه عندما تتحول آيات السكون لديه تراتيلا مقدسة
واجد شاكرا لاينسى الينابيع التي شربت منها عيناه الدفء وأولها المرأة ولكن(تبادلني في المساء حديث الغرام وعند الصباح يعانقهاالاخرون)هذه التفاتة معكوسة لفضح الخرافة التي تسمو بها المراة في عصرنا إلى بيع صدقها والدليل على واقعيته(تصارحني أن هذا الغرام موقت)ولم تفته صورة زليخة ويوسف وقد القميص من دبر,فان هذه القصيدة لاتتعدى الثلاثين كلمة ولكنها كم تعطي للمتلقي اداء وتترك أمامه انثيالات عاشورية من مطر الحقيقة بباصرة شاعر يرسم الحدث ابن لحظته وقد سحقته أجراس الأيام ودقته ساعة الصفر معلنة الرحيل وهذه معايشة أخرى للتراث العربي الأصيل وهي وسائل الشاعر لتهياة النفوس بدون قالب جاهز بل بأشرعة عابرة تفهم منها الكثير وهذا هو الشاعر الخالق وقد صدق الدكتور محمد صابر حين قدمه قائلا(عمق في النظرةووصفه القاص الكبير محمد خضير (يزداد التفاتة الى نبع البداية)ولعل إشارتي جاءت في مكانها وقد احسد العاشور على اختياره هذين العلمين(خضير/عبيد)فقد اجادا حقا في توصيف رؤاه رغم النظرة الصوفية التي وضعها الدكتور عبيد وكانت رؤى واقعية بعيدة عن الصوفية ابدا ابدا وكم لااتفق مع الشاعر بالإهداء الذي تقدم الديوان واسأله اما انتهينا وافرغ من ذلك في زمن الحداثة فأنت شاعر للناس كلهم وقد أهديتهم قلبك فلماذا تخص وتعين بدون مناسبة
حسبي ان أصداءك عميقة وهذا قطرك يتحول غدا الى سيل مهما كبرت صدمات الزمن واشتعلت أرضك بالحرائق وقد سيجت عمودك الذهبي بلون الحداثة وقد كنت رائعا
في مناغاة الطبيعة حبيبتك الدائمة(غصن دالية).