﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم. . وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾[1] البقرة282-283
المعاني المفردة[2]
تَدَايَنْتُـمْ: الدَّين: كل معاوضة يكون أحد العوضين فيها مؤجلا. والفرق بين القرض والدين: قال في القاموس: الدين: ماله أجل، وما لا أجل له فقرض. وقيل: وأما القرض: فهو إعطاء الشئ ليستعيد عوضاً وقتاً آخر من غير تعيين الوقت.
وَلْيُمْلِلِ: ( أَمْلَلْتُ ) الكتاب على الكاتب ( إِمْلالا ) ألقيته عليه وأمليته عليه ( إِمْلاءً ) والأولى لغة الحجاز وبني أسد، والثانية لغة بني تميم وقيس، وجاء الكتاب العزيز بهما ( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ) ( فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا ).
سَفِيهاً: السفيه الخفيفُ العقل.
تَضِـلَّ: الضَّلالُ والضَّلالةُ ضدُّ الهُدَى والرَّشاد. وهنا بمعنى تنسى.[3]
تَسْأَمُـوْاْ: سَئِمَ الشيءَ وسَئِمَ منه وسَئِمْتُ منه أَسْأَمُ سَأَماً وسَأْمَةً وسَآماً وسَآمةً: مَلَّ. وفي الحديث: إِن الله لا يَسْأَمُ حتى تَسْأَمُوا. قال ابن الأَثير: هذا مثل قوله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، وهو الرواية المشهورة. والسآمةُ: المَلَلُ والضَّجَرُ.
أَقْسَـطُ: القِسْطُ العَدْلُ ويقال أَقْسَطَ وقَسَطَ إِذا عدَلَ وجاءَ في بعض الحديث إِذا حكَمُوا عدَلوا وإِذا قسَموا أَقْسَطُوا أَي عَدَلُوا. في أسماء اللّه تعالى [المُقْسِط] هو العادِل. يقال: أقْسَط يُقْسِط فهو مُقْسِط إذا عَدَل. وقَسَط يَقْسِط فهو قاسِط إذا جارَ. فكأن الهمزة في [أقْسَط] للَّسلْب كما يقال: شَكا إليه فأشْكاه.
تَرْتَابُـواْ: الرَّيْبُ والرِّيبةُ الشَّكُّ والظِّنَّةُ والتُّهْمَةُ والرِّيبةُ بالكسر والجمع رِيَبٌ.
جُـنَاحٌ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ ، وَلاَ تَضييقٌ.
فَرِهَـانٌ: أصل الرهن الدوام، وشرعاً: حبس عين في دين لاستيفاء الدين من العين أو من منافعها إذا عجز المدين عن التسديد، ويجمع الرهن على رهان، ورهن.
آثِمٌ قَلْبُهُ: لأن الكتمان من عمل القلب فنسب الإثم إلى القلب.
مناسبة الآية لما قبلها
بعد أن ذكر الله سبحانه النفقة في سبيل الله وأن لا يكون منٌّ ولا أذى فيها ولا رياء، وأن تكون من الحلال الطيب وليس من الخبيث، وبعد أن بين الله سبحانه الإخلاص في النفقة ابتغاء وجه الله وأجرها العظيم بالليل والنهار وفي السر وفي العلانية. بعد ذلك ذكر الله الربا وعظم جريمته وتحريمه الشديد وأن ليس لأهله إلا رؤوس أموالهم لا يظلمون غيرهم بالربا ولا يُظلمون بذهاب رأس مالهم .. ثم ذكر سبحانه بعد ذلك إمهال المدين والصدقة عليه بإعفائه من دينه كله أو بعضه بعد ذلك ذكر سبحانه أحكاماً تتعلق بالدين في الحضر والسفر.
في ظلال النداء[4]
هذه الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن تكملة للأحكام السابقة في درسي الصدقة والربا . فقد استبعد التعامل الربوي في الدرس السابق والديون الربوية والبيوع الربوية . . أما هنا فالحديث عن القرض الحسن بلا ربا ولا فائدة ، وعن المعاملات التجارية الحاضرة المبرأة من الربا . .
وإن الإنسان ليقف في عجب وفي إعجاب أمام التعبير التشريعي في القرآن - حيث تتجلى الدقة العجيبة في الصياغة القانونية حتى ما يبدل لفظ بلفظ ، ولا تقدم فقرة عن موضعها أو تؤخر . وحيث لا تطغى هذه الدقة المطلقة في الصياغة القانونية على جمال التعبير وطلاوته . وحيث يربط التشريع بالوجدان الديني ربطاً لطيف المدخل عميق الإيحاء قوي التأثير ، دون الإخلال بترابط النص من ناحية الدلالة القانونية. وحيث يلحظ كل المؤثرات المحتملة في موقف طرفي التعاقد وموقف الشهود والكتاب ، فينفي هذه المؤثرات كلها ويحتاط لكل احتمال من احتمالاتها. وحيث لا ينتقل من نقطة إلى نقطة إلا وقد استوفى النقطة التشريعية بحيث لا يعود إليها إلا حيث يقع ارتباط بينها وبين نقطة جديدة يقتضي الإشارة إلى الرابطة بينهما . . .
إن الإعجاز في صياغة آيات التشريع هنا لهو الإعجاز في صياغة آيات الإيحاء والتوجيه . بل هو أوضح وأقوى. لأن الغرض هنا دقيق يحرفه لفظ واحد، ولا ينوب فيه لفظ عن لفظ. ولولا الإعجاز ما حقق الدقة التشريعية المطلقة والجمال الفني المطلق على هذا النحو الفريد.
ذلك كله فوق سبق التشريع الإسلامي بهذه المبادىء للتشريع المدني والتجاري بحوالي عشرة قرون، كما يعترف الفقهاء المحدثون!
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه﴾. .
هذا هو المبدأ العام الذي يريد تقريره. فالكتابة أمر مفروض بالنص، غير متروك للاختيار في حالة الدين إلى أجل. لحكمة سيأتي بيانها في نهاية النص .
﴿وليكتب بينكم كاتب بالعدل﴾. . وهذا تعيين للشخص الذي يقوم بكتابة الدين فهو كاتب . وليس أحد المتعاقدين. وحكمة استدعاء ثالث - ليس أحد الطرفين في التعاقد - هي الاحتياط والحيدة المطلقة. وهذا الكاتب مأمور أن يكتب بالعدل، فلا يميل مع أحد الطرفين، ولا ينقص أو يزيد في النصوص . .
﴿ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله﴾. .
فالتكليف هنا من الله - بالقياس إلى الكاتب - كي لا يتأخر ولا يأبى ولا يثقل العمل على نفسه. فتلك فريضة من الله بنص التشريع، حسابه فيها على الله. وهي وفاء لفضل الله عليه إذ علمه كيف يكتب . . ﴿فليكتب﴾ كما علمه الله .
وهنا يكون الشارع قد انتهى من تقرير مبدأ الكتابة في الدين إلى أجل. ومن تعيين من يتولى الكتابة. ومن تكليفه بأن يكتب. ومع التكليف ذلك التذكير اللطيف بنعمة الله عليه، وذلك الإيحاء بأن يلتزم العدل . . وهنا ينتقل إلى فقرة تالية يبين فيها كيف يكتب . .
﴿وليملل الذي عليه الحق . وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً . فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل﴾. .
إن المدين - الذي عليه الحق - هو الذي يملي على الكاتب اعترافه بالدين ، ومقدار الدين ، وشرطه وأجله . . ذلك خيفة أن يقع الغبن على المدين لو أملى الدائن ، فزاد في الدين ، أو قرب الأجل ، أو ذكر شروطاً معينة في مصلحته . والمدين في موقف ضعيف قد لا يملك معه إعلان المعارضة رغبة في إتمام الصفقة لحاجته إليها ، فيقع عليه الغبن . فإذا كان المدين هو الذي يملي لم يمل إلا ما يريد الارتباط به عن طيب خاطر . ثم ليكون إقراره بالدين أقوى وأثبت ، وهو الذي يملي . . وفي الوقت ذاته يناشد ضمير المدين - وهو يملي - أن يتقي الله ربه ولا يبخس شيئاً من الدين الذي يقر به ولا من سائر أركان الإقرار الأخرى . . فإن كان المدين سفيهاً لا يحسن تدبير أموره . أو ضعيفاً - أي صغيراً أو ضعيف العقل - أو لا يستطيع أن يمل هو إما لعي أو جهل أو آفة في لسانه أو لأي سبب من الأسباب المختلفة الحسية أو العقلية . . فليملل ولي أمره القيم عليه . . { بالعدل } . . والعدل يذكر هنا لزيادة الدقة . فربما تهاون الولي - ولو قليلاً - لأن الدين لا يخصه شخصياً . كي تتوافر الضمانات كلها لسلامة التعاقد .
وبهذا ينتهي الكلام عن الكتابة من جميع نواحيها ، فينتقل الشارع إلى نقطة أخرى في العقد ، نقطة الشهادة :
﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكم . فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان - ممن ترضون من الشهداء - أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى﴾. .
إنه لا بد من شاهدين على العقد - ﴿ممن ترضون من الشهداء﴾ - والرضى يشمل معنيين : الأول أن يكون الشاهدان عدلين مرضيين في الجماعة . والثاني أن يرضى بشهادتهما طرفا التعاقد . . ولكن ظروفاً معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمراً ميسوراً . فهنا ييسر التشريع فيستدعي النساء للشهادة ، وهو إنما دعا الرجال لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السوي ، الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش ، فتجور بذلك على أمومتها وأنوثتها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل ، في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل ، كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد المنحرف الذي نعيش فيه اليوم! فأما حين لا يوجد رجلان فليكن رجل واحد وامرأتان . . ولكن لماذا امرأتان؟ إن النص لا يدعنا نحدس! ففي مجال التشريع يكون كل نص محدداً واضحاً معللاً : ﴿أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى﴾ . . والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة . فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد ، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء ، فتذكرها الأخرى بالتعاون معاً على تذكر ملابسات الموضوع كله . وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية . فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسياً في المرأة حتماً . تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء . . وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة . . وهذه الطبيعة لا تتجزأ ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها - حين تكون امرأة سوية - بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال ، ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء . ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى - إذا انحرفت مع أي انفعال - فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة .
وكما وجه الخطاب في أول النص إلى الكتاب ألا يأبوا الكتابة ، يوجهه هنا إلى الشهداء ألا يأبوا الشهادة : ﴿ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا﴾ . .
فتلبية الدعوة للشهادة إذن فريضة وليست تطوعاً . فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق . والله هو الذي يفرضها كي يلبيها الشهداء عن طواعية تلبية وجدانية ، بدون تضرر أو تلكؤ . وبدون تفضل كذلك على المتعاقدين أو على أحدهما ، إذا كانت الدعوة من كليهما أو من أحدهما .
وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة ، فينتقل الشارع إلى غرض آخر . غرض عام للتشريع . يؤكد ضرورة الكتابة - كبر الدين أم صغر - ويعالج ما قد يخطر للنفس من استثقال الكتابة وتكاليفها بحجة أن الدين صغير لا يستحق ، أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل والحياء أو الكسل وقلة المبالاة! ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلاً وجدانياً وتعليلاً عملياً :
﴿ولا تسأموا أن تكتبوه - صغيراً أو كبيراً - إلى أجله . ذلكم أقسط عند الله ، وأقوم للشهادة ، وأدنى ألا ترتابوا﴾.
لا تسأموا . . فهو إدراك لانفعالات النفس الإنسانية حين تحس أن تكاليف العمل أضخم من قيمته . . ﴿ذلكم أقسط عند الله﴾ . . أعدل وأفضل . وهو إيحاء وجداني بأن الله يحب هذا ويؤثره . ﴿وأقوم للشهادة﴾ . فالشهادة على شيء مكتوب أقوم من الشهادة الشفوية التي تعتمد على الذاكرة وحدها . وشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أقوم كذلك للشهادة وأصح من شهادة الواحد ، أو الواحد والواحدة . ﴿وأدنى ألا ترتابوا﴾ : أقرب لعدم الريبة . الريبة في صحة البيانات التي تضمنها العقد ، أو الريبة في أنفسكم وفي سواكم إذا ترك الأمر بلا قيد .
وهكذا تتكشف حكمة هذه الإجراءات كلها؛ ويقتنع المتعاملون بضرورة هذا التشريع ، ودقة أهدافه ، وصحة إجراءاته . إنها الصحة والدقة والثقة والطمأنينة .
ذلك شأن الدين المسمى إلى أجل .
أما التجارة الحاضرة فإن بيوعها مستثناة من قيد الكتابة . وتكفي فيها شهادة الشهود تيسيراً للعمليات التجارية التي يعرقلها التعقيد ، والتي تتم في سرعة ، وتتكرر في أوقات قصيرة ، ذلك أن الإسلام وهو يشرع للحياة كلها قد راعى كل ملابساتها؛ وكان شريعة عملية واقعية لا تعقيد فيها ، ولا تعويق لجريان الحياة في مجراها :
﴿إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ، فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم﴾.
وظاهر النص أن الإعفاء من الكتابة رخصة لا جناح فيها . أما الإشهاد فموجَب . وقد وردت بعض الروايات بأن الإشهاد كذلك للندب لا للوجوب . ولكن الأرجح هو ذاك .
والآن - وقد انتهى تشريع الدين المسمى ، والتجارة الحاضرة ، والتقى كلاهما عند شرطي الكتابة والشهادة - على الوجوب وعلى الرخصة - فإنه يقرر حقوق الكتاب والشهداء كما قرر واجباتهم من قبل . . لقد أوجب عليهم ألا يأبوا الكتابة أو الشهادة . فالآن يوجب لهم الحماية والرعاية ليتوازن الحق والواجب في أداء التكاليف العامة .
﴿ولا يضار كاتب ولا شهيد . وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم . واتقوا الله ويعلمكم الله . والله بكل شيء عليم﴾ .
لا يقع ضرر على كاتب أو شهيد ، بسبب أدائه لواجبه الذي فرضه الله عليه . وإذا وقع فإنه يكون خروجاً منكم عن شريعة الله ومخالفة عن طريقه . وهو احتياط لا بد منه . لأن الكتاب والشهداء معرضون لسخط أحد الفريقين المتعاقدين في أحيان كثيرة . فلا بد من تمتعهم بالضمانات التي تطمئنهم على أنفسهم ، وتشجعهم على أداء واجبهم بالذمة والأمانة والنشاط في أداء الواجبات ، والحيدة في جميع الأحوال . ثم - وعلى عادة القرآن في إيقاظ الضمير ، واستجاشة الشعور كلما هم بالتكليف ، ليستمد التكليف دفعته من داخل النفس ، لا من مجرد ضغط النص - يدعو المؤمنين إلى تقوى الله في النهاية؛ ويذكرهم بأن الله هو المتفضل عليهم ، وهو الذي يعلمهم ويرشدهم ، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيىء أرواحهم للتعليم ، ليقوموا بحق هذا الإنعام بالطاعة والرضى والإذعان :
﴿واتقوا الله . ويعلمكم الله . والله بكل شىء عليم﴾ .
ثم يعود المشرع إلى تكملة في أحكام الدين ، آخرها في النص لأنها ذات ظروف خاصة ، فلم يذكرها هناك في النص العام . . ذلك حين يكون الدائن والمدين على سفر فلا يجدان كاتباً . فتيسيراً للتعامل ، مع ضمان الوفاء ، رخص الشارع في التعاقد الشفوي بلا كتابة مع تسليم رهن مقبوض للدائن ضامن للدين : ﴿وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة﴾ .
وهنا يستجيش الشارع ضمائر المؤمنين للأمانة والوفاء بدافع من تقوى الله . فهذا هو الضمان الأخير لتنفيذ التشريع كله ، ولرد الأموال والرهائن إلى أصحابها ، والمحافظة الكاملة عليها :
﴿فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه﴾.
والمدين مؤتمن على الدين ، والدائن مؤتمن على الرهن؛ وكلاهما مدعو لأداء ما اؤتمن عليه باسم تقوى الله ربه .
هداية وتدبر[5]
1- وكان ابن عبـاس يقول: نزلت هذه الآية فـي السَّلَـم[6] خاصة.[7]
2- وجوب كتابة الديون سواء كانت بيعاً، أو شراءً، أو سلفاً، أو قرضاً هذا ما قرره ابن جرير، ورد القول بالإرشاد والندب والأقرب إلى الصواب أن بعض الأمور تجب فيها الكتابة كبيع الدور والمزارع وغيرها وبعضها لا تجب وإنما تندب الكتابة لا غير.
3- رعاية النعمة بشكرها لقوله تعالى للكاتب: كما علمه الله فليكتب إذ علمه الكتابة وحرم غيره منها.
4- جواز النيابة في الإملاء لعجز عنه وعدم قدرة عليه.
5- وجوب العدل والإنصاف في كل شيء لا سيما في كتابة الديون المستحقة المؤجلة.
6- وجوب الإشهاد على الكتابة لتأكدها به، وعدم نسيان قدر الدين وأجله.
7- شهود المال لا يقلّون عن رجلين عدلين من الأحرار المسلمين لا غير، والمرأتان المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد.
8- الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك ولو كان الدين صغيراً تافهاً.
9- الرخصة في عدم كتابة التجارة الحاضرة السلعة والثمن المدارة بين البائع والمشتري.
10- وجوب الإشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال.
11- حرمة الإضرار بالكاتب والشهيد. قال تعالى: ﴿إذا ما دُعوا﴾ دل على أن الشهود يأتون الحاكم ليشهدوا، ودل على أن من لم يدع ليس عليه أن يشهد، ولكن ورد في السنة الترغيب في أداء الشهادة ولو لم يدع إليها المسلم لا سيما إذا توقف على شهادته إثبات حق من الحقوق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها"رواه الأئمة.
12- تقوى الله تعالى بسبب العلم، وتُكسب المعرفة بإذن الله تعالى. قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ هو وعد منه تعالى بأن يجعل للمتقي نوراً في قلبه يفهم به ما يلقى إليه ويفرق بين الحق والباطل يشهد لهذا قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ الأنفال.
13- جواز أخذ الرهن في السفر والحضر توثيقاً من الدائن لدينه.
14- جواز ترك أخذ الرهن إن حصل الأمن من سداد الدين وعدم الخوف منه.
15- حرمة كتمان الشهادة والقول بالزور فيها وأن ذلك من أكبر الكبائر كما في الصحيح.
16- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ".[8]
[1] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)﴾﴾
[2] . معجم الفروق اللغوية للعسكري. المصباح المنير. لسان العرب. والقاموس المحيط. النهاية في غريب الحديث والأثر. أيسر التفاسير.
[3]. توجد فروق بين المرأة والرجل في هذه الجوانب نتيجة لمقتضيات طبيعية واجتماعية واقتصادية، أو لاعتبارات نفسية.. والواقع أن هذه المسألة لا تنقص من كرامة المرأة، خصوصًا وأن المرأة لها أهلية اقتصادية كالرجل تمامًا. فالمرأة، بحكم وظيفتها الاجتماعية في رعاية النشء بصورة تقتضي وجودها بالبيت لفترات طويلة، قد تنسى ما يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس، خصوصًا وأن هذه المعاملات لا تقع إلا نادرًا، ومن هنا جاء نسيانها لما يحدث في هذه المعاملات، واحتياجها إلى أخرى لتذكرها. وتعتمد شهادة المرأة الواحدة في الأمور التي لا يطلع عليها غيرها، كالولادة والرضاع وبعض شؤون النساء. ]الموسوعة العربية العالمية[.
[4] . في ظلال القرآن.
[5] . أيسر التفاسير.
[6] . وهو في اللغة : التقديم والتسليم وكذلك السلف . وهو في الشرع : اسم لعقد يوجب الملك في الثمن عاجلا وفي المثمن آجلا ، وسمي به لما فيه من وجوب تقديم الثمن. (الاختيار لتعليل المختار).
[7] . جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري.
[8] . البخاري 4085. قال القاضي وغيره: المطل منع قضاء ما استحق اداؤه فمطل الغني ظلم وحرام ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام بمفهوم الحديث ولأنه معذور ولو كان غنياً ولكنه ليس متمكناً من الأداء لغيبة المال أو لغير ذلك جاز له التأخير إلى الإمكان. (وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع ) ومعناه إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليحتل.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب مصطلحات دينية