لم يدّعِ المعارضون السوريون الذين اجتمعوا أمس في دمشق، أنهم يمثلون المعارضة بمختلف أطيافها وأطرافها...والمؤكد أنهم لم يدّعوا تمثيل الشعب السوري والنطق باسمه...ولم يمارس هؤلاء تفوّقاً أو «فوقية» مصطنعة حيال زملائهم وإخوانهم من معارضة الخارج، ولم ألحظ من تصريحات كثيرين منهم أن يسعون في استغلال «الميزة النسبية» للداخل، معنوياً وأخلاقياً وسياسياً...لقد تحدثوا بأسمائهم الشخصية، ووضعوا مؤتمرهم في سياق الحراك الشعبي السوري العام، ونظروا إلى بقية أطياف المعارضة وأطرافها ومؤتمراتها، على أنها «حلقات في سلسلة واحدة»، وهذا تعبير عن نضج وتواضع لافتين.
لكن الحملة التي تعرض لها المؤتمر والمؤتمرون من قبل «معارضة الخارج»، كانت قاسية جداً...بل و»تجريمية» أحياناً، فمن قائل بأن المؤتمر «شقّ طريقاً إلتفافيا» للنظام حول الثورة السورية وأهدافها...إلى قائل بأن المؤتمرين كانوا جزءا من لعبة «تلميع» صورة النظام و»إعادة تدويره»...إلى متحدث عن رموز «سلطوية» تسللت تحت جنح المعارضة، ومناضليها المحترمين، بهدف «إسقاط القلعة من داخلها»...جميع هذه الاتهامات بدت متهافتة في ضوء ما صدر عن المؤتمر من مواقف وتوصيات ومداولات.
الحجة الرئيسة التي استند إليها «معارضو الخارج» لتبرير هجومهم على المؤتمر والمؤتمرين، هي أن مؤتمراً كهذا، غير مسبوق من نوعه، يعقد في قلب العاصمة دمشق، لا يمكن أن يلتئم شمله، إلا بموافقة النظام والتنسيق معه...وأن النظام لا يمكن أن يمنح مؤتمراً كهذا «بركاته» و»موافقاته»، إن لم يكن متأكداً من أنه سوف يخدم أهدافه.... هذه «المحاججات» وكثيرٌ غيرها، يمكن أن تكون مفهومة ومبررة من الناحية الشكلية،...بيد أنها ليست مقبولة أبداً كذريعة لتبرير الهجوم اللاذع الذي شنته شخصيات معارضة في الخارج، ضد بعض المعارضين في الداخل.
لم يقل أحد أن «قاعات فندق سمير اميس» في دمشق، هي «أرض محررة» من النظام وأدواته وأجهزته...ولم يزعم أي من المعارضين الذين التأم شملهم في العاصمة لأول مرة، أمس الأول، بأنهم فعلوا ذلك رغم أنف النظام وبالضد من إرادته...ولم يصدر عن أي من هؤلاء ما يشي بأن كل من دخل القاعة، خضع لاختبار «دي أن إيه» لإثبات نقاء سريرته وعمق التزامه بهدف إسقاط النظام...الكل أجمع على أنها محاولة لتنظيم صوت المعارضة السلمية الديمقراطية المدنية، وتوفير عنوان لها، في دمشق، وليس في واشنطن أو لندن أو باريس أو حتى في أنقرة واسطنبول...وهذا أمر يعد خطوة للإمام لجهة بلورة صوت سوري وطني معارض، بعيداً عن ضغوط الخارج وابتزازاته وأجنداته، بعيداً عن إدّعاءات «بيزنيس المعارضة» كذلك، خصوصاً بعد أن بدأنا نرى «صبية» على شاشات الفضائيات، يحلمون ألقاباً أكبر منهم، يمنحون صكوك الغفران لهذا ويحجبونها عن ذلك، وقد نصّبوا أنفسهم بكل بساطة، ناطقين باسم 23 مليون سوري على الأقل ؟
.
صحيح أن بعض معارضة الداخل قاطع المؤتمر أو انسحب منه...ولهم في ذلك كل الحق، سواء فعلوا ما فعلوا لقناعات خاصة بهم، أو لتجنب «التوظيف والاستخدام» من جانب النظام، أو لتفادي ما تطاير من ابتزازات واتهامات على ألسنة زملائهم وعبر شاشات الفضائيات المستنفرة...لكن في ظني أن المؤتمر نجح في وضع المعارضة على «الخريطة السياسية السورية الداخلية والخارجية»، وأوجد عنواناً لها يمكن الوصول إليها عن طريقه...وأعاد الاعتبار لدور «المركز» بنخبه المدنية والديمقراطية في عملية الإصلاح والتغيير التي تشهدها سوريا، بعد أن كدنا نضيع في متاهة الانتفاضات «الطرفية» التي كادت تتركز في الأمتار الأخيرة للحدود السورية مع دول الجوار.
والمؤكد أن المؤتمر، سوف يخلق ديناميكيات داخلية يصعب التكهن كيف ستتطور، خصوصاً إن كان التكامل بين «داخل» و»خارج» هو السمة المميزة للمرحلة المقبلة، بدل التنافر والتقاتل...المؤكد أن حدثا كهذا سيساعد على «شرعنة» المعارضة وإكسابها قوة زخم جديدة...ولنا ملء الثقة برموز وشخصيات المعارضة، أو العديد منها، التي شاركت في مؤتمر «سمير أميس»، وبعضها قضى في السجون السورية زهرة شبابه وربيع عمره.
كما أن مؤتمرا كهذا، سيكون له دوره في «فرز غث الانتفاضة السورية عن سمينها»...سيجعل من الممكن التمييز بين من يطالب بدولة مدنية ديمقراطية لجميع السوريين من جهة ومن يسعى إلى بناء «إمارات ظلامية» من جهة ثانية، ومن يخدم أجندات معسكرات ومحاور إقليمية ودولية، لا تخفى على أحد من جهة ثالثة.
لقد التقطت واشنطن مغزى انعقاد مؤتمر للمعارضة في دمشق، لم تتوقف طويلاً أمام ما يمكن أن يُعد «توظيفاً» رسمياً للحدث...والأرجح أن الحراك الدولي المصاحب للأزمة السورية، سوف يقيم وزناً خاصا لـ»مؤتمر سمير أميس»، ومن بين صفوفه، سينبثق مفاوضون ومحاورون، وستكون لهؤلاء من المطالبات التي ما أن يجد النظام نفسه مضطرا للاستماع إليها، حتى يبدأ «خياره الأمني/ العسكري» بالانهيار والتفكك لصالح حلول ومخارج سياسية سلمية، وهذا ما تطالب به الغالبية العظمى من الشعب السوري.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور
|