لا أدري ما الذي ستخرج به اجتماعات لجنة المتابعة العربية، لكن الخبرة السابقة، برهنت بما لا يدع مجالاً للشك، أن لا وظيفة لهذه اللجنة سوى توفير «شبكة أمان» للقيادة الفلسطينية عندما تقرر «التراجع عن موقف سابق» أو «الهبوط عن قمة شجرة» سبق وأن صعدت إليها، وتجد صعوبة في «العودة إلى قواعدها سالمة»...هذه المرة، من المتوقع – إن لم يخب ظننا - أن يطلب الجانب الرسمي الفلسطيني موقفاً عربياً داعماً لقرار القيادة الفلسطينية الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة طلباً للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67...هل ستستجيب اللجنة للمطلب الفلسطيني، هل ستتخذ موقفاً صلباً في مواجهة الضغوط الأمريكية على السلطة لدفعها للتراجع عن توجهها هذا ؟...هل ستتأثر أحوال لجنة المتابعة ومداولاتها وقراراتها الختامية، بـ»ربيع العرب» أم أن قوى «الثورة المضادة» ما زالت تحتفظ باليد العليا في اللجنة والجامعة والنظام العربي برمته ؟.

في ظني، أن العرب، رسمياً ومن فوق الطاولة، لن يكون بمقدورهم مخالفة المطلب الفلسطيني إن عُرض عليهم، وإن عُرض بقوة وإصرار وتصميم...لكنهم «من تحت الطاولة»، سيحاولون تجريب كل الوسائل، لدفع الفلسطينيين «للتريث» و»التعقل»، وعدم المجازفة بالاصطدام مع الولايات المتحدة، وتهديد صناديق السلطة بالخراب والخواء، وهي التي عجزت عن تسديد رواتب موظفيها.

وثمة معلومات تتطاير هنا وهناك، عن استعداد بعض العرب، أو تطوعهم، لإقناع السلطة بقبول «يهودية الدولة» مقابل اعتراف أمريكي بدولة فلسطينية على حدود 67...أي انهم يريدون الاقتراب خطوة، وخطوة كبيرة، باتجاه الأخذ بموقف نتنياهو وشروطه...لكن ما هو غير مؤكد حتى الآن، هو كيف ستجيب واشنطن حلفاءها وأعوانها العرب على هذا العرض، هل سيصبح القبول الفلسطيني بهذا الشرط الإسرائيلي، سبباً كافياً لإقناع نتنياهو بقبول خط حزيران 67، أم أن هذا التنازل، ستلحق به تنازلات أخرى، وصولاً للانصياع التام لشروط نتنياهو مطالبه.

«يهودية الدولة» مطلب وشرط إسرائيليان لأي تقدم على مسار التفاوض المُذلّ...لكن نتنياهو، ومن خلفه ائتلاف طويل وعريض في إسرائيل، ما زال بعيداً عن القبول بمرجعية خط حزيران 67..هؤلاء يريدون القدس عاصمة أبدية موحدة للدولة «العبرية/اليهودية»...هؤلاء يريدون سيطرة هي أقرب للضم، لمنطقة غور الأردن التي تزيد مساحتها عن ربع مساحة الضفة الغربية، بحجة تفاقم احتمالات قيام «جبهة شرقية»...هؤلاء يريدون ضم مناطق ما خلف الجدار، بعد أن يكونوا قد «سمّنوا» الكتل الاستيطانية الكبرى، بما يكفي لمنع أي تواصل جغرافي بين كانتونات «الدولة المستقلة».

هنا المشكلة الكبرى، وعلى هذه المشكلة بالتحديد، يجب أن تتجه الأنظار وتتركز...مشروع قيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، ما زال مرفوضاً من قبل ائتلاف الغالبية في إسرائيل، ولن تنفع جميع التنازلات الأخرى، بما فيها التنازل في شأن «يهودية الدولة» في إقناع حكومة اليمين واليمين المتطرف بقبول قيام هذه الدولة والاعتراف بها...الدولة الوحيدة التي ستعترف بها إسرائيل، هي دولة «البقايا»، بقايا الضفة الغربية وبعض الأحياء في القدس، بقايا غزة المجوّعة والمحاصرة، بقايا وطن حلم الفلسطينيون طويلاً باستعادته والعودة إليه...شريطة أن تكون «امتداداً فاعلاً» لنظرية الأمن الإسرائيلية ومقتضياتها ومندرجاتها.

لكن العرب الرسميين، ومعهم نظراؤهم الفلسطينيون في نهاية المطاف، لا خيار لهم على ما يبدو، سوى «ملاحقة العيّار لباب الدار»...لا بدائل عندهم سوى المفاوضات، وفي أحسن الأحوال الذهاب إلى الجمعية العامة بحثا عن الاعتراف بدولة سبق للعالم أن اعترف بها، دولة على الخرائط وليس على الأرض.

من دون التقليل من أهمية كسب المعركة في الأمم المتحدة، ومن دون إدارة الظهر لخيار مواجهة الصلف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي والتخاذل الأوروبي، يجب أن نعترف بأن اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطين المستقلة، لن يعني إنشاءها، وقد لا يقرب إنشاءها، ولا يمكن اعتبار خطوة كهذه، بمثابة استراتيجية فلسطينية بديلة لاستراتيجية التفاوض التي وصلت إلى طريق مسدود على ما يبدو.

الذهاب إلى الجمعية العامة، جزء من هذه الاستراتيجية، استراتيجية المصالحة والمقاومة الشعبية...الذهاب للجنة المتابعة والجامعة العربية والنظام العربي، يجب أن يكون بقوائم مطالبات لدعم الصمود والمواجهة، يجب أن نسقط شعار نرضى بما يرضى به العرب، العرب الرسميون لا يرضون إلا بما ترضى به الولايات المتحدة، وهذه لن ترضى إلا بما ترضى به إسرائيل...يجب أن نذهب إلى لجنة المتابعة اليوم، وإلى الجامعة العربية والنظام العربي غداً، باستراتيجية مواجهة مع الاحتلال والاستيطان، على مختلف الساحات والصعد، وبما ينسجم مع «ربيع العرب» ويستلهم روحه...عندها وعندها فقط، تصبح معركة الجمعية العامة، مهمة، لكونها بداية المطاف لا نهايته.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور