سعت أطرافٌ عربية إلى استصدار قرار عن الاجتماع الوزاري العربي الأخير بشأن سوريا...قرار يشبه الإنذار الأخير للنظام في سوريا، قبل أن يُنقل ملف الأزمة السورية برمته إلى مجلس الأمن...البعض نظر للأمر بوصفها "تعريباً" للأزمة السورية، يقطع الطريق على مخاطر "تدويلها"...فيما البعض الآخر، نظر للأمر من زاوية أن "التعريب" في سياقاته السورية الحالية، ليس إلا "تدويلاً" مضمراً، أو خطوة على طريق "التدويل" الصريح.
بالطبع ليست هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها جامعة الدول العربية في الأزمات المترتبة على اندلاع "ربيع العرب"، فقد سبق لها وأن تدخلت في الأزمة الليبية، ووفرت "غطاءً قومياً" لـ"التدخل الأممي"، أو بالأحرى لدخول الأطلسي على خط الصراع بين القذافي ومرتزقته وأعوانه من جهة، وشعب ليبيا وثواره من جهة ثانية...لكن الجامعة آثرت الانسحاب من بقية الأزمات كاليمن والبحرين، وقبلهما مصر وتونس.
لسنا ضد تدخل الجامعة في أية ساحة عربية إنقاذاً لمشاريع الإصلاح وقواه المحركة وحمايةً للمدنيين...بل إننا نعتقد أن "النظام العربي" لن تقوم له قائمة، إن لم يُبنَ على أسسٍ ديمقراطية...وديمقراطية النظام الإقليمي، لن تتحقق إلا بعد أن تعم الديمقراطية ربوع الدول الأعضاء، المكونة لهذا النظام، فالدول القمعية في سياساتها الداخلية، لا يمكن أن تبني علاقات خارجية قائمة على أسس ديمقراطية، تحترم التنوع والفرادة والعمل الجماعي و"السيادة" بمفهومها الحديث...تحترم حقوق الدول في الخارج، مثلما تحترم حقوق الأفراد المنتمين إلى نطاقها السيادي في الداخل.
نحن نريد للجامعة العربية أن تكون وعاء النظام الإقليمي العربي...ونريد لهذا النظام أن يكون ديمقراطياً....ونتطلع لليوم الذي يتعين فيه على كل دولة عربية تريد أن تحتفظ بعضويتها في الجامعة، أن تلبي "مسطرة شروط" خاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية...مثل شروط كوبنهاجن لعضوية الاتحاد الأوروبي....ونريد لهذه المسطرة أن تكون ملزمة للجميع.
وسنذهب أبعد من ذلك فنقول، إننا من أنصار "التخلي عن جزء من السيادة الوطنية" لصالح العمل العربي القومي المشترك...ونرفص منطق البيان الرسمي السوري الذي يتخذ من السيادة وسيلة للهرب والتهرب من استحقاق وقف القتل والعنف والقمع ضد أبناء شعبه...ونتطلع لليوم الذي تنشأ فيه قوة عربية مشتركة، تكون حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، واحدة من وظائفها، وليس الدفاع عن الأمة في وجه أعدائها الخارجيين فحسب.
نريد ذلك من دون تردد، ونريد ما هو أكثر وأبعد منه...نريده الآن، وأردناه من قبل، تحدثنا عنه وبشرنا به قبل سبع سنوات عجاف، عندما فتحت الجامعة لأول مرة ملفي الإصلاح في العالم العربي وإصلاح نظامها الإقليمي...لا لشيء إلا لأننا ببساطة نريد نظاماً عربياً فعّالاً...نظاما يشعر فيه المواطن العربي بأنه محمي بسيادة القانون في بلده، وبالقضاء العربي والحاكم العربي وقوة النموذج العربي...ولكننا لا نفهم أن تكون هذه المعايير مفصلة على مقاس دولة معينة في لحظة معينة، وأن تكون بقية الدول العربية، ودائما، معفاة من شرط الالتزام بالإصلاح والديمقراطية...لا نفهم أن نستفيق على الحاجة للانتصار لحقوق الإنسان في ليبيا وسوريا فقط، لكأن الإنسان العربي في بقية "بلاد العرب" قد استوفى حقوقه ولم يعد ينقصه سوى رؤية أشقائه الليبيين والسوريين يتمتعون بالحقوق ذاتها.
نحسب كما يحسب كثيرون، أن سرّ "الحمأة" العربية الطارئة ضد عنف النظام السوري، وسبب هذا الحماس لوضعه في أضيق الزوايا، إنما يعود لأسباب أخرى، ليس من بينها أبداً، الحرص على مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان...نعرف أن ما يجري اليوم، هو سداد لفواتير الأمس، مع أن في سوريا، وتحديداً بعد كل هذا القمع والاستخدام المفرط للقوة ضد المواطنين، ما يكفي من الأسباب للتدخل والتهديد والتحذير والوعيد.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور