جانب الصواب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عندما خرجوا زرافات ووحدانا لاستقبال رجب طيب أردوغان تحت شعار «دولة الخلافة»... وجانب الصواب الزعيم التركي، عندما طلب إلى المصريين إصباغ صفة العلمانية على دولتهم ونظامهم (قيد التشكل والإنشاء)ـ.... فكيف ذلك؟
أولاً في الدعوة الإخوانية، نجد أنفسنا بحاجة لكثير من الجهد لحل التناقض بين دعوة الإخوان لدولة الخلافة اليوم، ودعوتهم بالأمس للدولة المدنية... هل المطلوب «خلافة مدنية»... وهل يستقيم الأمران أحدهما مع الآخر... ما الذي تبقيه «الخلافة» لـ»المدنية»... وإن كانت كانت الدولة مدنية، فما الذي سيجمع الشامي بالمغربي، وكيف يمكن لتركي وأندونيسي ومصري وسوري، أن يعيشوا في ظلال «خلافة واحدة»... ما الرابط بين هؤلاء غير «الدين»... وهل يمكن لدولة مدنية، لا دينية، أن تشكل مثل هذا الرابط أو أن توفره.
أما ثانياً، فبخصوص دعوة رئيس الوزراء التركي لالتزام العلمانية، والتي أثارت حفيظة المصريين لسببين اثنين... الأول، لأنها دعوة للعلمانية، وهذا ما أثار غضب إسلاميي مصر على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، الذين «ودّعوا» أردوغان ليس بمثل ما استقبلوه به من حفاوة وتكريم... والثاني، لأن هذه الدعوة، عُدّت من قبل كثير من المصريين على أنها «إملاء» و»وصاية» لا محل لها في العلاقات النديّة بين أشقاء متكافئين في الوزن والحجم، حتى وإن كانت مصر ليست في أحسن أحوالها كما هو حال تركيا اليوم.
نقول، أن الصواب جانب الزعيم التركي هذه المرة... فلم يدرك حساسية المصريين لدورهم، ولا صورتهم لأنفسهم ومكانتهم... هم لن يرتضوا لتركيا بدور «الأخ الأكبر» أو «الشقيقة الكبرى»، وهم الذين اعتادوا أن يكونوا هم أنفسهم في هذا الموقع طوال سنوات وعقود... هم وإن كانوا في موقع المستعد للتعلم من دورس من سبقهم وما سبقهم من ديمقراطيات، إلا أنهم ليسوا في وارد «التمثل» أو «الامتثال»... هذه مسائل عميقة في ضمائر المصريين و»نفسياتهم» وفي صميم الشخصية المصرية.
كثيرون قالوا أن أردوغان في حديثه عن «علمانية» النظام المصري الآخذ في التشكل، إنما كان يوجه رسائل طمأنينة للنظام السياسي التركي «العلماني» في كليته، حتى الآن على الأقل، وليس إلى أهل مصر وقواهها ونخبها... وهذا قد يكون صحيحا، وقد لا يكون كذلك، فنحن لا ندّعي العلم بـ»نوايا» الناس و»سرائرهم»... لكن الأهم من حديث النوايا، أن زمان ومكان النطق بهذه التصريحات، لم يكن موفقاً.
ثم إن جماعة الإخوان التي ما فتئت تتحدث عن إصلاح سياسي ونظام ديمقراطي ومواطنة متساوية ودولة مدنية، تضع كل ذلك وراء ظهرها، وتخرج إلى الشارع بيافطات «الخلافة الإسلامية»... ما يعطي كثيرا من القوى المشككة والمتشككة بـ»جذرية» الخطاب الإصلاحي المدني الإخواني و»لانهائيته»، مادة إضافية لهجومهم على الإسلاميين.
لقد كان مقرراً لزيارة أردوغان لـ»مصر ما بعد مبارك» أن تكون حدثاً مفصلياً في حاضر ومستقبل العلاقات بين البلدين... بل ونظر كثير من المراقبين إلى الزيارة بوصفها مؤشراً على «حراك» التحالفات الإقليمية وتبدلاتها... لكن صدام خطابي «الخلافة» و»العلمانية»، امتص الكثير من «ألق» الزيارة، وبدد جوانب من بهجتها و»تاريخيتها».
وهذا – ربما – ما دفع بعض المراقبين والمحللين للقول، بأن الزيارة حُمّلت في الأصل، أكثر مما تحتمل... فلا تركيا بوارد إحداث تبديل حقيقي في موقعها وخرائط تحالفاتها... ولا مصر استقرت فيها الأحوال لكي تنتقل من موقع إلى موقع ومن خندق إلى خندق... لا أردوغان ذهب إلى غزة في تحدٍّ غير مسبوق لغطرسة إسرائيل... ولا «السفارة غادرت العمارة» في القاهرة، كما كما انتظر كثيرون.
يبدو أن – حراك الشرق الأوسط – ما زال جارياً، لم يهدأ غبار التحولات بعد، لنتعرف بدقة وعن كثب، على الثابت والمتغير في حراكات القوى والدول وتحالفاتها، مواقعها ومواقفها، ولننتظر لنر.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور