لا تحتاج زيارة رئيس حركة حماس للأردن، إلى كل هذه التبريرات، كأن يقال مثلاً، أنها زيارة إنسانية، قصيرة الأجل، وجاءت بناء على طلبه، لزيارة والدته المُسنّة التي ترقد على سرير الشفاء، فالأصل أن يكون باب الزيارات واللقاءات مفتوحا، لا سيما أن الرجل يقود أول أو ثاني فصيل فلسطيني، فاز بغالبية المقاعد في انتخابات 2006 الحرة والنزيهة، وشكل أنصاره حكومتين شرعيتين، الأولى منفردة، والثانية «وحدة وطنية»، والثالثة حكومة الأمر الواقع.
معظم قادة الفصائل، باستثناء قلة قليلة منهم، زاروا الأردن، أو هم قادرون على زيارته، حتى بعض قادة حماس، يترددون على الأردن من وقت آخر، وأحسب أن الوقت قد حان، لتصويب العلاقة بين الأردن وحماس،لا سيما أن الدبلوماسية الأردنية أبدت رغبة في لحظة من لحظات ربيع العرب، بالقيام بدور الوساطة بين «الإخوة الأعداء» في فلسطين.
في ظني، أنه ليست هناك قضية خلافية بين الأردن وحماس، من النوع المستعصي على الحل، هناك خلافات سياسية ومخاوف أمنية وحسابات داخلية، جميعها من النوع القابل «للتجسير» بين الجانبين، وهي لا تحتاج سوى بضع جولات من الحوار بين الجانبين، حتى تنجلي الصورة، وتتأسس العلاقات على قواعد واضحة وصلبة.
لقد تغيرت البيئة الإقليمية التي باعدت ما بين عمان وحماس، الحركة أبدت استعداداً لإقامة أطيب العلاقات مع الأردن، حتى في ذروة تألق المعسكر الذي كانت تنتمي إليه، «معسكر المقاومة والممانعة»، والأرجح أن حماسها اليوم للتقارب مع عمان، بات أكبر من أي وقت مضى، لا سيما أن القاعدة الدمشقية للحركة، تكاد تميد من تحت أقدامها، ناهيك عن انتفاء «المبرر الموضوعي» لأية مخاوف سابقة، لا سيما بعد اندلاع «ربيع العرب، وما تأسس عليه من تبدّل في المواقع والمواقف، وتقلّب التحالفات والاصطفافات.
لقد نُظر لحماس، بوصفها عقبة في طريق السلام، وقيل أن «متشدديها» نجحوا في فرض أجندتهم على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ اواسط التسعينيات، لكن الصورة تغيرت اليوم كلياً، حماس لم تعد جزءا من المشكلة، بل رافعة من روافع الحل، المشكلة عند «متطرفي إسرائيل» وهم كثر، بل هم معظم الإسرائيليين الذين ما انفكوا يجنحون صوب اليمين والتطرف والاستيطان، المشكلة في حكومة نتنياهو- ليبرمان- باراك، حماس بعثت ما يكفي من رسائل الطمأنينة والاطمئنان لكل من يعنيهم الأمر، وفي السر والعلن، وأتبعت القول بالفعل، وخضعت لمحكّات واختبارات واجتازتها بنجاح، الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، والملعب الإسرائيلي وحده، دون سواه.
ثم، أن الساحة الفلسطينية، مقبلة على ما تشير المصادر، على ولوج عتبات مرحلة جديدة، بعد استحقاق سبتمبر/ أيلول، ولعل استئناف الحوار واستعادة المصالحة واسترداد الوحدة الوطنية، هي العناوين الأبرز لهذه المرحلة، وثمة ما يشي بأن هذا المسار، قد يشهد انطلاقة إيجابية في قادمات الأيام والشهور، ومن مصلحة الأردن أن يكون حاضرا بقوة في هذه العملية، ومحفّزاً قوياً لأطرافها، وهذا غير ممكن من دون أن يحتفظ بعلاقات متوازنة مع طرفي المعادلة الفلسطينية، بل مع مختلف أطراف هذه المعادلة، صغيرها وكبيرها، ليس من باب دعم الشعب الفلسطيني فحسب، بل ومن باب تعظيم المصالح الوطنية الأردنية كذلك.
نأمل أن يتمكن خالد مشعل من زيارة الأردن، دون أن يكون مضطراً لعيادة مريض مدنف، أو مواراة والد الثرى، نأمل أن تندرج زياراته المقبلة، في سياق العلاقات المتنامية بين الأردن وحماس، من ضمن رؤية أردنية أشمل ومقاربة أكثر انفتاحاً على الجميع، إذ ليس بالضرورة أن تكون العلاقات الناشئة مع حماس على حساب العلاقات المتأصلة مع فتح والمنظمة والسلطة والرئيس عباس، بمقدور المظلة الأردنية أن تتسع للجميع، وأن تقف على مسافة متساوية من الجميع، وأن تدفع الجميع إلى ضفاف الحوار والمصالحة وخدمة المصالح العليا لفلسطين، التي هي مصالح عليا للأردن كذلك.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور