خلال عملي في اماراة ابوظبي وخلال زيارة عمل للمنطقة الغربية النفطية –الرويس ومدينة زايد- بحدود عام 2002 ، نزلت للصلاة في مسجد صغير على الطريق ، وهالني اعلان صغير موجه من وزارة الاوقاف الى خادم المسجد ملصق على الباب، اذكر نصه ولو سئلت عنه بعد حين –اذ كان في العمر بقية- ، يقول الخطاب انه وبناءً على طلب اهالي المنطقة وحيث ان عدد المصليين قد زاد في هذا المسجد ، فانه لا مانع لدينا من اقامة صلاة الجمعة ، وارسال الشخص الذي يرغب بالقاء خطبة الجمعة الى مركز الاوقاف لاستلام الخطبة المخصصة كل ،اسبوع ، لالقائها على المصليين..!
اذا يستطيع رجل يفك الخط ان يلقي خطبة الجمعة تلك ، او رجل درس الموسيقى او الرياضة او الفيزياء ان يتقمص دور الخطيب وحسب توجيهات الوزارة المذكورة ، والامر شاهدته عيانا ، فلم يكن في كل امارة ابوظبي خطيب جمعة يخطب من دون الورقة تلك ، الا اماما مصريا كان اسمه الشيخ هلال مبروك وهو عالم ازهري ضرير ، خطب عشية احداث 11 سبتمبر خطبة تليق بالحدث ، وكانت نتيجتها ترحيله في ليلة كليال العرب الى دولة قطر ، فاستوى بذلك كل خطباء الامارة دون اعوجاج..
***
وفي الجامع الاموي بدمشق وهي مرة واحدة اذ صليت الجمعة ، كان خطيب الجمعة يتحدث عن ترشيد الطاقة والمياه..!
***
في عمّان وبعد عام 1992 وقبل انتخابات الصوت الواحد كان تم منع خطباء الحركة الاسلامية من اعتلاء المنابر ، وكانوا يسيطرون على معظم منابر عمّان واربد والزرقاء ، امثال ذيب انيس وعبدالعزيز جبر ومحمد ابو فارس وعلي العتوم و حمزة منصور وراجح الكردي واخرون من غير الحركة الاسلامية مثل علي الفقير وعزت العزيزي ، وتم منعهم من الخطابة بقرار من وزير الوقاف يومها ، وكان بعضهم نوابا ، وقد فجروا نقاشا حول قانون الوعض والاشاد ، انتهى بمنعهم من الخطابة ، فكان ان كتب احدهك يومها وفي اول جمعة بعد منعهم من الخطابة مقالا ، بعنوان : خطباء الحيض والنفاس يعتلون المنابر..!
بالمناسبة هناك سياسيون وكتاب يدعون اليوم وبعد 15 سنة الى السماح باعادة اندماج خطباء الحركة الاسلامية والمعارضة مع منابر المساجد الاردنية...!
***
من اغرب ما شاهدته ايضا وخلال اقامتي في السعودية جرأة خطباء السعودية وعدم خضوعهم لاي قوانين ارشادية ، وهو ما كان بالفعل مفاجئا لي ، كان خطيب الجمعة في جدة حيث اصلي معظم الوقت ، يختتم خطبته بالدعاء :...اللهم فك اسرانا في خليج كوبا ..اللهم انصر المجاهدين في العراق..." كنت اقول في نفسي الى هذا الحد هذا الشيخ لم يسمع بالموقف الرسمي للدولة السعودية ، وتبين لي بالفعل ان السعودية وبحكم سيطرة هئية كبار العلماء على التعليمات المتعلقة بالخطابة ، فانه يمنع اعطاء خطبة مكتوبة على غرار الامارت مثلا ويترك فيها لاجتهاد الخطيب الذي يكون قد تلقى تعليمات عامة عما يمكن ان يدرج في قوائم المحظور.
..!
وفي جدة ايضا استمعت يوما لخطبة شن صاحبها هجوما على عمرو خالد ، الذي اتهمه بالدفاع عن ابليس ..وانتهى بالقول : هذا الاسلام ليس اسلام حسن البنا ولا عبدالقادر الجيلاني الذي لا يعرف عنه الا انه مخبول بال في المسجد ولا اسلام عمرو خالد الذي لا يمتلك سمة العلماء ولا هيبتهم...
***
في صنعاء هنا حيث اقيم اليوم يتحدث الخطباء عن كل شيئ ، لا محظور بالمطلق..خطباء ينتمون لتيارات سياسية مختلفة ، الاصلاح المقرب من الاخوان المسليمين والسلفيين ورجال الدعوة واعضاء برلمان معارضون ، يتحدثون بدون اي خطوط حمراء...!
***
في مسجد صغير بشرم الشيخ ، استمعت الى خطبة جمعة ، كان الخطيب يكرر : انت بتصليش ليه...كانت بالكامل مأخوذه من شريط كاسيت مسجل لخطبة للداعية المصري محمد حسان..
***
في بيروت صليت الجمعة في مسجد للسنة وخطب امام وسيم يرتدي بذلة رسمية باناقة عالية ، جذبني حداثة الرجل لدرجة انني اليوم نسيت موضوع الخطبة ، لكن كالطيف اذكر انه كانت عن العلاقات الزوجية او عن شيئ قريب من ذلك ، بالتأكيد لم تكن سياسية بحجم الهامش الواسع المسموح به في لبنان، كانت خطبة اجتماعية انيقة بالكامل..
***
في اواخر السبعينات وكنت طفلا ، كان خطيب مسجد قرية كفركيفيا اسمه الشيخ ابو مصباح ، وكان يخطب على غرار خطبة الامارات ،وكان يضع الخطبة المنقولة عن الكتب الصفراء في احدى جيبات مزنوكه او المعطف الطويل الذي كان يرتدي ، وصعد المنبر ذات جمعة ، واخذ يتفقد جيوبه بحثا عن الخطبة ، وفتش اكثر من 10 جيوب بين معطفه ومزنوكه وسرواله دون ان يعثر علي الخطبة ، وتورط الرجل ، وانصت الناس للموقف ، وكان ثمة رجل نحيل صامت اسمه ابو صالح – رحمه الله توفي بعدها بقليل- ، فقال وهو يرمقه بطرف عينه : ضاعت يا سيدي ...!