في الجدل الوطني المحتدم حول الإصلاح والتغيير في الأردن، يبرز دائما السؤال عن فرص بناء أجندة وطنية توافقية، تجمع مختلف الأطياف والمكونات والمشارب... وإذ يجادل البعض، بأن فرص بناء هذه الأجندة تبدو ضعيفة في الشرط الراهن، إلا أن الجواب الذي يأتي من أجداد الأجداد يقول غير ذلك، فالوثيقة التي نشرتها جريدة فلسطين يوم الجمعة، والتي تناقلتها المواقع الالكترونية عن بكرة أبيها، تشكل من وجهة نظر كاتب هذه السطور، أساساً لبناء إجماع وطني صلب، قادر على الصمود في وجه هبوب رياح الفرقة والتقسيم.

الوثيقة التي حملت تواقيع شيوخ عشائر شرق الأردن، صدرت قبل أزيد من تسعين عاماً، وهي صالحة تماماً لأزمنتنا الراهنة، فمفاعيل سايكس بيكو ووعد بلفور لم تلغ بعد، والوطن القومي لليهود في فلسطين، يريده عتاة المتطرفين الذي حاولوا اقتحام الأراضي الأردنية قبل أيام، أن يتمدد شرقاً...ووحدة الدم والمصير التي سطرها نفر من رجالات شرق الأردن، تشكل محور الهوية الوطنية الأردنية ووجهتها المشتبكة في علاقة صراعية مع مفاعيل وعد بلفور وإفرازاته، لا مع الشقيق "في الدين والوطن والمبدأ واللغة والقومية".

تقول الوثيقة الموجهة للحاكم العسكري البريطاني الجنرال بولز: "أما بعد فقد اطلعنا على المنشور الذي أذاعته حكومتكم الموقرة أمام طائفة من أعيان بيت المقدس في 20 شباط سنة 1920 والمتضمن فصل فلسطين عن سوريا المتحدة وجعلها وطناً قومياً لليهود. فساءنا هذا الأمر كل الاستياء لأنه جاء مناقضاً لرغائب الأمة التي صرحت مراراً عديدة أنها ترفض فكرة الوطن القومي بالمرة، ولا نخفي عليكم أن هذه القرارات التي جاء ذكرها في بلاغكم المتقدم جعلتنا نرتاب في حسن نوايا بريطانيا العظمى التي خضنا وإياها غمرات الحرب وتكبدنا معها المشاق والأهوال في سبيل إنجاح قضيتنا المشتركة".

ويضيف شيوخ العشائر فيما يشبه البلاغ رقم (1)، قائمة أهداف في ظني أنها ما زالت تتمع بصلاحيتها للمرحلة الراهنة:

أولاً: فلسطين عزيزة علينا ولذلك لا نرضى بوجه من الوجوه أن يغتصبها الدخلاء منا.

ثانياً: فلسطين مقدسة لدينا ولذلك لا يمكننا أن نغض الطرف عما يحيق بها من الأخطار.

ثالثاً: إن الخطر الصهيوني الذي يهدد كيان فلسطين العربية من شأنه أن يهدد كيان الأمة العربية جمعاء.

رابعاً: لقد أثبتت التظاهرات التي قام بها أبناء الوطن في جميع أنحاء البلاد. والاحتجاجات الشديدة التي رفعت إليكم وإلى المقامات الأوروبية السامية في ظروف مختلفة، أن الأمة العربية ترفض الهجرة الصهيونية وفكرة الوطن القومي رفضاً باتاً، وتأبى أن تغدو فلسطين فريسة المطامع اللاشعبية، وأنها مستعدة للدفاع عن هذه الوديعة المقدسة، وديعة الآباء والأجداد بما لديها من حول وقوة. فليس من العدل أن يضربوا بمطالبها ورغباتها هذه عرض الحائط.

خامساً: لا يسعنا نحن عربان شرق الأردن إلا أن نركض عند أمس الحاجة لنصرة إخواننا الفلسطينيين الذين يئنون تحت عبء الاستعمار الصهيوني الفظيع لأنهم إخواننا في الدين والوطن والمبدأ واللغة والقومية.

وبناء على ما تقدم رأينا من واجبنا أن نبعث إليكم باحتجاجنا هذا متنصلين من كل تبعة تنجم عن أمثال هذه القرارات، ونضيف إلى ذلك أننا مستعدون لبذل دمائنا وأرواحنا في سبيل أوطاننا التي نراها مهددة بالأخطار من كل جانب.

وحملت الوثيقة تواقيع:، الأمير عودة أبو تايه (شيخ قبائل الحويطات)، الشيخ حمد بن جازي (شيخ مشايخ عشائر الحويطات)، الشيخ حسين الطراونة (شيخ عشائر الطراونة بالكرك)، الشيخ غيث بن هدايا (شيخ عشائر الحجايا)، الشيخ سليم أبو دميك (شيخ مشايخ بني عطية)، الشيخ سليمان بن طريف (شيخ بني حميدة)، الشيخ حمد بن حاتم (من شيوخ بني حميدة)، الشيخ سالم النسعة (من شيوخ معان)، الشيخ حامد باشا الشراري (شيخ مشايخ عشائر معان)

أليس جديرا بنا، نحن معشر الأحفاد على ضفتي النهر، أن نضع تواقيعنا على هذه الوثيقة التاريخية...أليست في مضامينها حالة متطورة جداً قياساً بكل هذا اللغو والهذر الذي تعج به بعض المقالات والتصريحات...ألا تصلح من حيث الجوهر والمظهر، أن تكون نواة الإجماع الوطني وعموده الفقري ؟؟؟ على هذه الوثيقة أضع توقيعي، وأدعو الجميع لوضع تواقيعهم.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور