انتهت أحدث محاولة من محاولات توحيد المعارضة السورية قبل أيام إلى الفشل...هذا الأمر لم يفاجئنا أبداً...بل أن المفاجأة كادت تصبح من العيار من الثقيل لو أن النتيجة جاءت بخلاف ذلك. فالانقسام في صفوف المعارضة، له أبعاد مركبة ثلاثة: إيديولوجي، سياسي وتنظيمي، هذا إذا أسقطنا الأبعاد الشخصية و”الانتهازية” التي لا يمكن إغفال أثرها عند البحث في أمور كهذه.

في الجانب الإيديولوجي، تنتمي غالبية التيارات والفصائل المنضوية في إطار “هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا”، أو ما بات يعرف اختصاراً بمعارضة الداخل، إلى المدرستين اليسارية والقومية، إلى جانب رموز وشخصيات مستقلة، فضلاً عن شخصيات “انشقت” عن النظام في مراحل مختلفة من مسيرتها السياسية....في حين، تجنح مختلف التقارير والمعلومات إلى القول بغلبة “الإسلاميين” على اختلاف تلاوينهم على تكوين المجلس الوطني السوري، أو ما بات يعرف بمعارضة الخارج، وإذ ينفي ناطقون باسم المجلس أمراً كهذا، فإن مجادليهم يقولون إن غير الإسلاميين في المجلس لا يلعبون سوى أدوارٍ ثانوية (ديكور أو مظلة) في إطاره، ولحسابات انتقالية وتكتيكية تمليها احتياجات العمل الإسلامي السوري للاستظلال بشخصيات ليبرالية ومراعاة حسابات القوى العربية والإقليمية والدولية الداعمة للمجلس، والراغبة بوجود “تمثيل” لها في صفوفه.

وإذا كان بعض معارضة الخارج يتهم بعض معارضة الداخل بأنه “وجه من وجوه السلطة”، فإن معارضين كثيرين من الداخل، يتهمون زملاء لهم في الخارج، بأنهم باتو رأس حربة لعواصم عربية وإقليمية ودولية، مغروسة في جسد المعارضة، تأتمر بإمرتها، وتتحرك وفقاً لأجنداتها.

في البعد السياسي، يلتقي فريقا المعارضة السورية، داخل وخارج، عند نقطة واحدة: إسقاط النظام عملية عسيرة وليست في متناول اليد في الأفق المنظور على الأقل...لكن جناحي المعارضة يفترقان بعد ذلك عند سؤال (ما العمل؟) إزاء هذا الاستعصاء....الخارج يجيب باستعجال التدويل والتدخل الدولي تحت صيغ ومسميات شتى، والداخل يرد بخطة عمل تتحدث عن الإسقاط المتدرج وطويل النفس للنظام، والتي تفترض من ضمن ما تفترض حواراً مع النظام أو بعض أجنحته.

في البعد التنظيمي، يعتقد المجلس الوطني السوري، أنه حاز ما يكفي من “الاعتراف” و”الشرعية”، ما يمكنه الآن، أو سيمكنه في القريب العاجل، من أن يكون “ممثلاً شرعياً وحيداً” للشعب السوري، وهو لهذا السبب ينظر لوحدة المعارضة بوصفها انضواءً للجميع في بوتقته وتحت مظلته....في حين ترى هيئة التنسيق، أن المجلس ليس سوى فصيل من فصائل المعارضة، حتى بفرض أنه أفعلها وأكثرها حضوراً، وأن المطلوب من “المؤتمر الوطني السوري” في حال انعقاده، أن يضم جميع الفصائل، الداخل والخارج، وأن تنبثق عنه هيئة موحدة، تنطق باسم المعارضة وتمثلها.

مثل هذا السجال بين قطبي المعارضة السورية، يمكنك أن تعثر على تفاصيله في البيانات والتصريحات والمواقف التي تصدر عن أطرافه ذات الصلة..لكنك بحاجة للاقتراب أكثر من رموز المعارضة، وعلى المستوى الشخصي، للتعرف على “القطبة المخفية” في ملف انقسام المعارضة، فإلى جانب كل هذه الأسباب الوجيهة للخلاف والانقسام، هناك سبب آخر، أطلقنا عليه اسم “بيزنيس المعارضة”، فالمعلومات التي تتناقلها المعارضة – وليس رموز النظام أو المحسوبون عليه وأنصاره – تتحدث عن قصص فساد وإفساد مؤسفة، تجعلك تعتقد بأنك تواجه واحدة من أسرع وأوسع، إن لم تكن أسرع وأوسع، عمليات إفساد تتعرض لها قوى سياسية ثورية وتغييرية على الإطلاق....ذلك أنه بوجود مراكز عربية وإقليمية ودولية، راغبة بجموح في تغيير المشهد السوري، وفي ظل تنافس غير مسبوق على مستقبل “سوريا في إقليم متغير”، فإن هذه العواصم، مباشرة أو عبر وكلاء، قررت فتح أبواب خزائنها لبعض رموز المعارضة والغرف منها بسخاء....وهنا يمكن ملاحظة حالات التبدل التي أصابت أنماط حياة، كثيرين من رموز معارضة الخارج وشخصياتها، مقابل تفاقم حالة العوز التي تعانيها معارضة الداخل، إلى الحد الذي حدا ببعض كبار رموزها لاقتراح “حملة تبرعات أهلية” لإنجاز كراريس أو دورات تدريبية لنشطاء سياسيين ومدنيين سوريين.

معارضة الداخل، تعتقد أن وحدة المعارضة، هي نقطة البدء في برنامجها المتدرج طويل الأمد – ربما – السلمي لتذليل استعصاء سقوط النظام، وهي تشدد على الحاجة لإعادة بناء الروابط بين فصائل المعارضية جميعها، داخلية وخارجية، مع الحراكات والتنسيقيات على الأرض وفي الميدان.....في حين ترى معارضة الخارج، أنها ممثلة للداخل كذلك، وأن كثيرا من هذه التنسيقيات والحراكات ممثل في المجلس الوطني، وأن “وحدة المعارضة” لن تحدث فرقاً جوهرياً في رزنامة الأحداث السورية....ما يجعل من مهمة الوسطاء وباذلي المساعي الخيّرة، صعبة ومركبة، إذ يتعين عليهم إقناع المتحاورين بأهمية الوحدة أولاً، والانتقال بعد ذلك لتفكيك عقدها وحل استعصاءاتها، الواحدة تلو الأخرى.

يبدو أن مشكلة الشعب السوري المنكوب بنظامه، لا تقف عند هذا الحد...وأخشى أن يقال عنه ذات يوم، بأنه شعب منكوب بمعارضته كذلك، كان الله في عون سوريا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور