رميتُ قلمي، لملمتُ حقائبي، ألقيتُ بأوراقي من الشرفات، وعلى أبوابِ الدكاكين، وعلى الجدران رسمتُ سفينة يخفق شراعها وتسلمه للأحزان...
نقشتُ حروفا مبهمة، وقلمي .... ينزف.ُ... يبكي..... يتوسل لا تلقني مع الأوراق. أعلنتْ الساعة في معصمي تكتكات، وصفير هواء يجتاز كل الأرصفة والطرقات، ونوافذ تضربها رياح، ووجوه عابسة تُخفي أروع بسمات.
أنا راحلةٌ، سأختصر كل الحكايات، من عيون رجال جاحدة، ونساء مليئة بالرغبات، من حلاف ٍ...من همازٍ... من مشاءٍ، من مناعٍ، ومن كذاب.
من حبيب لا تعرف من حبه إلا بغضه، من قريب لا تعرف من قربه إلا بعده، من دعوة ترفضها السماوات.... من زيف كلامٍ....من طفل ينحر كشاة بعير أو دم يسيل على الطرقات......من صلاة ينقصها النيه......أوعمر يضيع بلا حُرمات.... من هذا وذاك وكل الدنيا.
أنا راحلةٌ لصومعتي.... لأنفاسي... لخيالاتي ....وكفاني كفاني ما قد كان .... لا بشر بعد اليوم..... لا أمان....
هيا يا قلمي لنسطر أحرفاً تشهد على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضا عيانا
سألقي حجراً بوجه هذا الإنسان، سأقول له: ارحل من الدنيا وعارك في يديك
كل الذي أخفيته يبدو عليكْ
فاخلع ثيابك وارتحل
لا تنتظر طفلاً يتيماً بابتسامته البريئة
أنْ يقبلَ وجنتيكْ
لا تنتظر أمَّا تطاردها دموع الراحلينَ
لعلها تبكي عليك ْ
لا تنتظر صفحاً جميلاً
فالدماء السودُ مازالت تلوث راحتيكْ
ارحل وعاركَ في يديكْ
فالليالي السودُ.. شاهدةً عليكْ
ارحل وعاركَ في يديكْ
الآن ترحل غير مأسوفٍ عليكْ..
انظرْ إلي صمتِ المساجدِ
والمنابر تشتكي
ويصيحُ في أرجائها شبحُ الدمارْ
مهما اعتذرتَ لن يفيدكَ الاعتذارْ
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
للأرضِ.. للطرقاتِ.. للأحياءِ.. للموتيِ..
وللمدنِ العتيقةِ.. للصغارْ؟!
ولمن يكونُ الاعتذارْ؟
لمواكبِ التاريخ.. للأرض الحزينةِ
للشواطيءِ.. للقفارْ؟!
لدموعِ أمِّ
لم تزل تبكي وحيداً
صارَ طيفاً ساكناً فوق الجدارْ؟!
لمن يكون الاعتذار؟
لأماكنٍ تبكي علي أطلالها
ومدائن صارت بقايا من غبارْ؟!
لمن يكون الاعتذار؟
للَّهِ حين تنام
في قبرك وحيداً.. والجحيمُ تلالَ نارْ؟!!
لا تخشاني يا قلمي لن ألقيك، فأنت الوحيد من كان صادقا معي، بعالم ملئ بالجبناء، ستظل معي بجواري لكني أخشى عليك من لهيب أنفاسي، من حزن يُنفِذ ُحبرك ويُجففُ مدادك، وتكون نهايتك بلا عنوان ...
لا تبكي يا قلمي كثيرا فالأفضل لكَ أن تهجرني ....لا تحزن.... فلن أغضب فكثيراً ما غدر الإنسان بأخيه الإنسان، وكيف لي أن أترقب وفاء جماد في زمان يحيا فيه الإنسان لنفسه .... ويكيل لمن حوله البهتان..... في زمان لا يدري المقتول لِمَ قُتل؟ ويُمثل بجسد الشهيد، ويحرق فيه القرآن!!!!
ارْحلْ وعَاركَ في يَديّكْ.
بقلم: ياسمين محمد عزيز مغيب.
المراجع
diwanalarab.com
التصانيف
شعر الآداب