قراءات: 6
( 1 ) عندما سكنت في ثنايا روحي (بغداد) ولمدة سبع سنوات والتي سجلت ضمن ايام عمري الحقيقية ، كنت اتغنى بالكلمات واطير بها ، ومعها فرحا ،كفراشة تزهو بحقول الربيع ،وكانت اجمل واعذب اوقاتي حين اقرأ الادب عموما والشعر خصوصا ،وكان شعر الشاعر الراحل رشدي العامل ،يمنحني طاقة لاحدود لها ،ولم نقرأ عنها في أي من الظواهر الفيزياوية ،فقد تركبني الهة الشعر ،فأحلق في كل سماوات الوطن في برها وبحرها ،هكذا ركبني هوس الشعر،فأزددت عشق وهياما بتراب العراق ،فكنت ارى العراق شعرا ،والشعر عراق ،ومازلت مصابا بهوس العراق ، وهوس الشعر!
وكان يرافقني في هذه الرحلة ،في هذه المعاناة شاعر الحزن الجميل الراحل رشدي العامل ،وان لم اتلق به ابدا ، لكنه كان حاضرا في كل لحظاتي ...
وحين عدت الى سكني (سجني ) الدائم ،جربت اماكن واماكن ،بحث عن حزني وحزن رشدي العامل ، فلم اجده ،وفقدت اجنحتي بفعل رطوبة ايامي ...
( 2 )
حملت اسئلتي وحزني الى اماكن الادباء ، لعلي اجد لها اجوبة عندهم ،وفي كل مرة ارجع حاملا خيباتي ،فقد اختفى الادباء لحضور لمهرجاناتهم ،فرحون بما اعطاهم من مأكل ومشرب الا هو ذلك البائس ، الذي يخجل منظموا المهرجانات ،من ملابسه العتيقة!
رب ضارة نافعة ، كما يقولون ،فقد استفردت به ، هذا المجنون ،مالذي يعجبه بثقافةلاتمنحه الخبز، ولا المأوى ،فقد كان كريما وغنيا ، اكثر مما يتصورون !
قال لي :
ـــ ضالتك عنده فقط ،ذلك الشاعر الذي يقرأ قصائد للناس والوطن ،في الشوارع ، في الساحات ،بلا بهرجة ،الناس يبحثون عنه في الاسواق ،يطبع كتبه على نفقته الخاصة !هل عرفته؟
اعتقد ذلك ...
ــــــ هو الشاعر صدام فهد الاسدي ....
( 3 )
ابهرني حقا تواضع هذا الرجل،وثقافته وعلمه ،وابدى تعاطفا كبيرا معي ،حيث اهداني الكتاب الذي بحثت عنه ،سنوات ليست بالقليلة ، لااستطيع ان اصف فرحتي في ذلك اليوم ،وخصوصا حين اهداني هذا الانسان الرائع والاستاذ الجامعي والشاعر،كتابه (نحت في الضباب )وهوكتاب يبحث في شاعرية الشاعر الراحل رشدي العامل ،هذا الشاعر الذي اطلق عليه مع نفسي (شاعر الحزن الجميل )،الشاعر الذي دفع ثمن معاناتنا كعراقيين وكعرب وكشرقيين ايضا في فترة تأريخية مثيرة ومعقدة من تاريخنا الصاخب:
(فارسنا يبحث عن انسان
لم يكتشفه الناس لم تذبل على اجفانه يدان
يبحث عن انسان لم يعرف الاحزان
لم يعرف الموت ولا النسيان )،
دراسة الاسدي لهذا الشاعر ،عبارة عن رحلة ممتعة تتنقل بنا بين العوالم الشعرية والعوالم الشخصية ، وكلها لاغنى لنا عنها الان.اي مهمة هي التي تنحت في الضباب ، وأي ضباب هو ، فما اعقد هذه المهمة حين تتناول الطائر الكوني التي حاولت السجون والمعتقلات ترويضه ، لكن بلا جدوى .