والله لا ننتخب تلك الفقرات ،ولكنها تبرز بقرنين أقرنين للمشاهدة وطلب التصنيف ،فلا نجد سوى بند في طبقات لمثل هذا الفكر ألا وهو"الضحالة"..والله لا نتعجّل الأمور،ولسنا إلا طالبي حق ويشهد الله،إنه لذوق الأمة،ونعي جيداً أن المخطط ينفّذ ليل نهار لمحو أرومتنا وضياء عقولنا بحجج المتغربين المقلدين لغربهم،ونعرف حدود الكلم والخطاب ولا نتأوله كالبعض،ولكن هو مفسر أجزائه بلا ريب،وحدود الفعل غير حدود القول مثلاً،والقول يتطلب لغةً معينة،والمقول له أسس ومعانٍ ودلائل من البلاغة أو حتى دون البلاغة ؛لذا وجب التنويه لبعض من يرون سدة دون أخرى،أن الفقرات المأخوذة محور الفكر الادونيسيّ كما سنستشهد بأشعاره وكتاباته وسنحللها بعون الله وتوفيقه،وإن كنا نرى في ذلك مضيعة للوقت ،ولكن هذا فرض عين كما قلنا وعلينا القيام به،بل وعلى كل ذي عقل أن ينتبه،فلا يقول مكرا؛وليعلم أن الأمة لا ينبغي المتاجرة في الأهواء على حسابها،ووالله إن ادونيس ليس خطراً إلا على الناشئة؛ممن يغرهم اللقب والمدح والصور والفقاقيع..وأن ما سعى له ادونيس وخطط له بل ونجح بغفلة القوم وسوء طوية البعض من أهل الفكر سامحهم الله ،ولنحلل وسننجح..وإلى الفقرة الثالثة:
"ومبدأ الحداثة ،من هذه الناحية ،هو الصراع بين النظام القائم على السلفية،والرغبة العاملة لتغيير هذا النظام،وقد تأسس هذا الصراع،في أثناء العهدين الأموي والعباسي حيث نرى تيارين للحداثة:الأول سياسي-فكري ويتمثل من جهة،في الحركات الثورية ضد النظام القائم،بدءاً من الخوارج وانتهاء بثورة الزنج مروراً بالقرامطة والحركات الثورية المتطرفة،ويتمثل،من جهة ثانية،في الاعتزال والعقلانية الإلحادية،وفي الصوفية على الأخص .وتلتقي هذه الحركات الثورية – الفكرية حول هدف أساسيّ هو الوحدة بين الحاكم والمحكوم في نظامٍ يساوي بين الناس اقتصاديّاً وسياسياً،ولا يفرق بين الواحد والآخر على أساس من جنسٍ أو لون."
هى متعة عندما تعود لتقرأ أحد المقلّدين تقليداً أعمى لاركن له؛يستوي فيه الليل والنهار،يستخدمون لغة المنهج وهم فوضى،يتبحّرون وهم في ضحالة،فالضحالة كمبحث نبحث فيه هى ضد الأصالة..جذرها اللغويّ"الضحل"وهو ما لاعمق له،ماء قليل بل وحل وجهل وإقلال؛ولذلك كان الباحث كبحثنا في استخراج هويّة وميسم أهل الضحالة وتبيينهم كمناقض شاذّ واهٍ لأهل الأصالة؛لهو فرض عين وليس فرض كفاية!.
متعة عندما تجد الصفة الأولى للضحل وهى "التحذلق":نعم إنه لا يتوانى في الثرثرة دون العلم،يتمثّل الحياة بكلمات كثيرات؛حشو مملّ مكرر لا وصف له،ويضحك على عقول قرّائه،ويحسبونها العمق وما هو كما قلنا إلا الإنفلات والتلاشي!؛ولذا كان مبدأ الحداثة وكما يظهر جليّاً في ثنايا الفقرات – ولم يداريه الادونيس:الإنبتات والخروج عن الأصل،ومدى التغيير الجذريّ الهدميّ ،الذي تم نقله عن فلتاء الغرب بنظرياته ومجونه الفكريّ ولا مسئولية التنظيرعندهم..
وقد أتى هذا الادونيس بعد نظريات ورؤىً نبتت في الغرب ألمان وفرنسيين وإنجليز وروس وغيرهم وعنهم تنوسخت المعارف الضحلية في أرض السرقة والرعونة"أمريكا"بلد الهنود الحمر،ورشف من كأسها بعض فسدة الذوق وكان واسطة عقدهم هذا الادونيس،فهو مطبق لمبادئ التشكيك وهو مبدأ لمن لا تاريخ عندهم ولا سمة ولا هوية؛ولكنه لا يشك بتاتاً حينما يكون هناك قرامطة وزنج وخوارج فهم رؤوس الحداثة ..وهكذا..
وهو يحسد على الترتيب التاريخي في سطر واحد "بدءاً بالخوارج"" وانتهاء بثورة الزنج""مروراً بالقرامطة""والحركات الثورية المتطرفة" ولا ينسى "المعتزلة"والعقلانية الإلحادية..يا سلام استعراض تاريخيّ كعارضة الأزياء..لو كان هنا أبو تمام-وسيأتي دوره عما قريب-لوصفه بأجزاء البديع كلها من تشبيهات وكنايات وحسن تقسيم و.. حداثة!!،ما هذا الجمال في العرض ،إنها حقاً دراسة ولا كل الدراسات،فعلاً هو الإبداع في عرب الاتباع،نعم أيها الهالوك ..أيها اللبلاب..أيها ال....ادونيس!!..
لو كان يعرف الخوارج والقرامطة والزنج أن أحد أحفادهم وبعض عارفي سرهم ومجدهم سيأتي ويرفعهم بهذا المقدار لثاروا ليل نهار،ولحاولوا تسطير اسم ادونيس في هفواتهم ومتونهم ولنحتوه في عقولهم المطفأة.
الحذلقة وهى:التظاهر بالظرف وتحذلق:ادّعى أكثر مما عنده من الحذق(الفهم)..فكيف يكون الادونيس متظاهراً بالظرف وهو رجل بحث جهم مغلق لا يضحك وله صور التعالى (الأرعن)تملأ الأرجاء؟!كيف يتظاهر بالظرف وكتاباته تخلو من أيّ إشارة للظرف،بل لو حاول التظرف لمجّه البحر ولعافته السماء ولابتلعته الأرض؛إذاً فالحذلقة ساقطة عنه،أقول:إن من التظرف ما هو العبوس ببلاهة،والجدية المضحكة؛كبعض ذوي الأسمال الفكرية ممن يتعالون بلا ملبس يقيهم الحر والبرد!!فتضحك على غرورهم ورعونتهم ..وتتضاحك الغير والأشباه..قائلين:ادونيس..ادونيس.
يدّعي العلم بالتاريخ لمحو التاريخ،لإغلاق نوافذ الجدية والأصالة والنبوغ،ويصبح التقليد هو السمة الرئيسية ،والأخذ،والتطأطؤ للغرب وحده،ويكون مبشراً بتعاليم الغرب الكهنوتية في الشرق المتخلف،فهو من ناحية يدّعي الفهم والعلم بمجريات الأمور والأحداث،ومن ناحية أخرى يُظهر بما سبق تظرّفاً فجاً يضحك منه ذوو العقول السليمة.
فالخوارج لم يكونوا أبداً خارجين كما يفهم الادونيس،فهم لم يقلدوا غرباً،وقد يكون وسمهم بميسم الحداثة لأنهم خرجوا عن الجماعة،وحاولوا تفكيك عرى الإسلام،وفهموا القرآن فهماً ضيقاً في بادئ أمرهم،ثم انقلب كل خارج على الجماعة خارجيّاً من الخوارج وبدوا كمذهب سياسيّ له أطماعه في الحكم(وهذه حداثة في كونها شغب على ما أظن ويريد الادونيس)!!
وثورات الزنج والقرامطة شئٌ عاديّ يحدث مثلها في الأمم منذ فجر التاريخ،وليست حداثة يُستدلّ بها،بل إن"أجندة"ادونيس تقوم على بلورة كل التاريخ الإسلاميّ-وليس العربيّ في خانة الإتباع وليس الإبتكارليؤكّد ببلاهة المقلّد أن العرب حينما دخلوا الإسلام تجمّدوا،ولكن كانت الحداثة في إنعاش الأصل وليس هدمه والتشكيك فيه كما فعل ادونيس على الأقلّ؛وإذاً أضحى مفهوم الحداثة عند العرب ليس المفهوم المُجدي لأنه ليس الخروج والتملّص و(التقليد)غرباً غرباً.
ودعونا ننظر مرة أخرى للفقرة الأولى من الصفحة الأولى في جزئه الثالث في كتابه الثابت والمتحول:
"يمكن القول من ضمن نظرة العرب إلى الإحداث والمحدث ،ومن ضمن الشروط الاقتصادية-الاجتماعية الخاصة،أن الحداثة في المجتمع العربي بدأت كموقف يتمثل الماضي ويفسره بمقتضى الحاضر، ويعنى ذلك أن الحداثة بدات ،سياسياً ،بتأسيس الدولة الأموية،وبدات فكريّاً ،بحركة التأويل.فقد كانت الدولة الأمويّة نقطة الاصطدام بين الدين (العربيّ) والثقافة غير العربية:الآرامية –السريانية(الشرقية)من جهة،والبيزنطية_الرومية من جهة ثانية.
وفي هذا الاصطدام واجه الدين العربيّ،سياسياً ومدنياً،الأسئلة الملحة الاولى التي تتصل بالتمدين أو بالحضارة،وكان على ممثليه أن يفسّروا الوقائع الجديدة بتأويل القديم تأويلاً ملائماً."
سنرى أن "أجندة" الادونيس جاهزة،وقد خلص من جزءيه الأول والثاني إلى نتائج الثالث شاعراً أن دراسته المطوّلة قد أتت ثمارها،وبدا يتكلم بثقة (عمياء)،وغامت الشواهد لديه؛فلقد سبّق بذلك في الحواشي الثابتة وليست المتحوّلة!،وسار مزهوّاً متكلماً بتغرّبه؛وكأن كل شئ قد خُطِّط وقد حُدِّد فإلى الهدف المنشود والنتائج؛ومن أول فقرات الجزء الثالث نطالع صفات الضحالة الفكرية بارزة لكل ذي عينين وألقى السمع وهو شهيد،فقناعات الادونيس تتبلور في أسلوبه المتحذلق تخطيطاً ورؤية،وأحسب أنني عندما جئت الجزء الثالث بعد تمهيد وتخطيط مضحك هزيل في قسميه الأوليين كنت أرغب في رؤية إضاءةٍ على حشوه الزائد المكرر الخانق الغامض الذي بدا بلا هدف،ولكن أهداف الضحالة تتجلى في الضحك على عقول ذوي الضاد بالحشو واللغو ثم تقرير النتائج بتسليم متعالٍ يتقزز منه ذوو المروءة!!.
***
لكل كاتب منهج معين يتخذه للخلوص إلى أهدافه سواء أكانت معلنة أم لا،فالكاتب الحصيف لا يريد أن يوصف بالضحالة!،وحينذاك لا يبني الوهم ويدّعي أنه الحق طالما أخذ عليه درجة علمية لا يعتمدها الذوق بقدر ما ينتفخ بها الضحاليّ خيلاء،وبقدر ما يبني الكاتب دراسته على أسس ،نرى أن الضحاليّ حالما ينتهي من بنائه يقوّضه ببلاهة وإذعان،وهنا النتائج التي يريد الخلوص إليها هى "صدمة الحداثة"و الأحسن"حداثة الصدمة"!؛ فإننا صُدمنا بتقليد فجٍّ ينظِّر ويقرِّر ولا ينتهي إلا ليتفرّع وينتشر وباءً مهلكاً..فهيا بمبيدات العقل التنويريّ والقلب الحدسيّ لنخرج من هذا الطاعون بدكِّ الطاعون.