جلال مراد - حمزة رستناوي  ج1/ 4
ملاحظة : سيكون تعليق  حمزة على الفقرات  باللون الأحمر
بعد أن أرسى أبقراط في أثينا أسس الطب في الخمسمائة قبل الميلاد أصاب نظريته سبات شتوي استمر زهاء ألفي عام لتستيقظ من جديد في عصر النهضة الأوربية وتنتش من جديد ، ورغم استفادة كل الحضارات التي غزاها الاسكندر من العلوم والفلسفات التي نشأت في أثينا ومن ضمنها نظريات أبقراط الطبية . إلا أن كل حضارة كانت تعبر عن مكنونها الحيوي أيضاً كما فعل الرازي وابن سينا في الحضارة الإسلامية . انتهى الاقتباس
تعليق حمزة:
من المفيد هنا التذكير بأسس علم الطب التي أرساها أبقراط,  و هي ليست مجرد نظرية في الطب , بل هي إلى حد كبير أسس علم الطب على مر العصور و الجغرافيا.
1- تحرير الطب من السحر و الأساطير , و التركيز على العلل الطبيعية للأمراض , فمن حكمه المشهورة" كل مرض معروف السبب موجود الشفاء. "
2- حاول التخلص من التأثيرات الفلسفية, و أرسى أسس طب يقوم على الملاحظة والتجربة,  و  سعى أبقراط إلى أن يجعل الطب علماً موضوعياً,  و أن يعطيه شكلاً متكاملاً، فكان يتّبع في فحصه الاستجواب والقرع والجسّ، كما كان يدقّق في مفرغات المريض,  ويدرس الشروط التي يعيش فيها من مكان وغذاء ومناخ. فمن حكم أبقرط  الخالدة :
" الطب قياس وتجربة."
3- التعامل مع الجسم البشري كوحدة مترابطة جسمية نفسية,  حيث كان يزرع الأمل في نفس مريضه و  يشير أحيانا على المريض بالاستعانة بالدعاء و الصلاة.
4- أكد على دور الطعام الصحي و الهواء النقي و النظافة,  و كان اعتماده على نوع الغذاء والصوم والحمامات المعدنية والتمارين الرياضية والهواء النقي أكبر من اعتماده على الأدوية
5- قام بتوصيف للعديد من الأمراض :كالالتهاب الرئوي و الصراع عند الأطفال .و تكلم بإسهاب عن التهاب الغدة النكفية..الخ
6- قال  بالعدوى في الإصابة بالكثير من الأمراض مثل الجرب والرمد والسل.
7- له إسهامات كبيرة في طب العظام و أسس الجراحة : تخيّل مقعداً من الخشب يسمح بشد العظام لردّ الخلوع والكسور المتبدلة وإعادة العظام المصابة إلى مواضعها. ويذكر له قدّم من تعليمات عن تحضير غرف العمليّات الجراحية, وتنظيم الضوء فيها , وتنظيف اليدين والعناية بالأدوات الجراحية,  وإيضاح طريقة استخدامها,  وطرق تضميد الجروح وغيرها من التفاصيل.
8- هناك الكثير من  العلامات المرضية  التي ذكرها بدقة,  و لا زلنا نستعملها حتى الآن كالأصابع الابقراطية و السحنة الابقراطية و الرج الابقراطي لاستقصاء انصبابات الجنب الهوائية..الخ
9- ترسيخ أخلاقيات مهنة الطب "قسم أبقراط"  و الانتقال بالطب من طب الأسرار و الخاصة , إلى الطب كعلم متاح لطالبه ِ.
وقد تبنى أبقراط الرأي القائل عن الدماغ : به نفكر ونبصر ونسمع ونميز القبيح من الجميل والغثّ من السمين.
ليس الهدف من سرد إسهامات أبقراط في تأسيس علم الطب القول بكمال ما اجتهد فيه  فهو القائل: " ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم".
فقد سجل لنا التاريخ أنه كان يأخذ بنظرية الأخلاط "الدم-البلغم-الصفراء –السوداء" ويقول إن الإنسان يتمتع بالصحة الكاملة إذا امتزجت هذه العناصر بنسبها الصحيحة، أما في حالات المرض أو الموت فينقص بعضها أو يزيد أو يفسد، كما يقول إنه كان يرى أن  هذه الأخلاط تتأثر بالجو والطعام ومزاج الفرد واختلاف محيطه.
وكان تصوره لطبيعة جهاز الدوري مغلوطاً، فقد كان يرى أن الهواء هو العامل الحيوي في حركة الدم، ولم يفرق بين الشرايين والأوردة.
و هذا أمر مفسر تماما ضمن شروط المرحلة التاريخية التي عاش بها و درجة تطور العلوم آنذاك.
&
والآن سنناقش النظرية الأساسية التي يعتمد عليها الطب الوافد لنا من الغرب
” المتطور ” ونرى مدى صوابية هذه النظرية,  ومدى قدرتنا على أن نضيف ما هو مفيد ونحذف ما هو غير مفيد منها . انتهى الاقتباس
تعليق حمزة:
 ثمة علم طب يعرّف كعلم:  يقوم على التجربة و الملاحظة و الاستنتاج
و الطب الحديث كما هو معروف حاليا هو معرفة بشرية و علم  لا يخص الغرب رغم كونهم الأكثر إسهاما و فضلا فيه. فلا فروقات جوهرية بين البشر تبرر وجود طب يخص قوم دون آخرين,  بل لا فروقات جوهرية بين الطب البشري و الطب البيطري فهما يشتركان بالأسس العامة و المنهج . و الطب لا ينسب لدين أو عرق أو ثقافة إلا على وجه المجاز
كبقية العلوم فلا يوجد فيزياء غربية و فيزياء شرقية؟! أو فيزياء إسلامية و فيزياء صينية و فيزياء مسيحية..الخ
&
وهنا سأستعرض المثال التالي لأبين وابسّط بآن ما أريد توضيحه .
وهو مثال حي إذا إنني سألتُ أحد الأطباء المتخصصين في علاج السكري عن سبب مرض السكر المنتشر في هذه الوقت بشكل ملفت للنظر ,  وكان جوابه :” إن السبب الرئيسي للسكر هو السمنة ونوعية الطعام الذي يتناوله الناس ، فالغذاء الذي لا يحرق بشكل جيد يتحول قسم منه إلى دسم,  والقسم الأكبر ينتشر في الجسد ، وبسبب السمنة ولذلك فإن البنكرياس لا يستطيع أن يتخلص من الكميات الكبيرة من السكر في الجسد ، وبالطبع هناك أسباب أخرى ولكنها لا تشكل نسبة ذات أهمية أمام ا لحالة الرئيسية سالفة الذكر “
انتهى الاقتباس
تعليق حمزة
السرد السابق عن سبب الداء السكري خاطئ إلى حد كبير,  و غير دقيق من وجهة نظر علمية.
بشكل مختصر لدينا نمطين من الداء السكري يختلفان من حيث الامراضية و السببيات
النمط الأول"السكري الشبابي": سببه تموت الخلايا بيتا المنتجة للأنسولين في جزر لانغرهانس في البنكرياس,  مما يؤدي لنقص إفرازها  للأنسولين,  و السبب الأساسي لموت هذه الخلايا هو مهاجمتها من الخلايا التائية  نتيجة خطأ مناعي ذاتي. ، ومعظم المصابون بالمرض كانوا أما بصحة جيدة أو ذي أوزان مثالية عندما بدأت أعراض المرض بالظهور, و هو غير أساسا ًمرتبط بالسمنة.
النمط الثاني: "السكري الكهلي ": و سببه وجود مقاومة محيطية  لمفعول الأنسولين في أنسجة الجسم, و مع تقدم المرض تقل كفاءة إفراز الأنسولين من البنكرياس , و يترافق هذا النمط  عند نصف المرضى تقريبا  بالسمنة التي تتميز بوجود خلل استقلابي و هرموني يعزز المقاومة للأنسولين.
لذلك فالقول أن السبب الرئيسي للسكري هو السمنة و نوعية الطعام هو غير دقيق.
فنصف مرضى الداء السكري غير بدينين , و هناك الكثير من البدينين غير السكريين , فالعلاقة ليست سبب و نتيجة,  بل هناك ترافق للداء السكري النمط الثاني مع البدانة و كذلك ارتفاع كولسترول الدم و ارتفاع ضغط الدم  و زيادة حدوث مرض التصلب العصيدي في الشرايين , بما يطلق عليه حديثا اسم "المتلازمة الاستقلالية ". و تتميز هذه المتلازمة باضطرابات على مستوى استقلاب الدسم و السكريات دخل الخلايا,  و هناك أبحاث و دراسات كثيرة حول الأمر.
 و التخلص من الوزن الزائد رغم فائدته للمريض المصاب بالسكري لن يؤدي إلى الشفاء من السكري,  فسبب السكري هو اضطراب في الأنسولين إما بسبب تموت الخلايا المفرزة له,  أو المقاومة المحيطية لفعاليته.و ليس هناك سبب وحيد يؤدي لذلك لا السمنة,  و لا غيرها,  بل هناك عوامل مؤهبة لحدوث الداء السكري منها : البدانة في حالة النمط الثاني للسكري و العامل الوراثي- الاثني- البيئي- و نوعية الغذاء .. و آليات بيولوجية و كيميائية حيوية معقدة في طريقها للاكتشاف.
&
من الطبيعي لحل مشكلة ما أن يتوجه المختص إلى السبب الرئيسي لهذه المشكلة وأن يعالج السبب المشكل لهذه المشكلة ، ولكن هل يتم الأمر هكذا في الطب الرسمي ؟
الحقيقة إن الطب الرسمي يتعامل مع السبب الوظيفي , ولا يتعامل على الإطلاق مع السبب الحقيقي لنشوء الظاهرة.
ففي مثالنا هذا لا يتوجه الطبيب كما هو مفترض لاعتماد طريقة المايكرو بيوتك ، أو بعض التمارين الجسدية التي تخفف السمنة ، ولا يعالج بالأساس السبب النفسي الذي أدى إلى السمنة ، فالمعروف على سبيل المثال في علم النفس أن الشهية المفرطة للطعام قد تكون بسبب فقدان الاهتمام العاطفي والحب ، ونتيجة لهذا الفقد فإن الإنسان يعوض عدم وجود الحب بالتهام الطعام ، ما يحصل في حقيقة الأمر وفق تقنيات الطب الرسمي هو أن الطبيب لا يرى من ظاهرة السكر سوى قصور إفراز من البنكرياس ، مما يستدعي إعطاء عقار للمريض منشط لإفراز البنكرياس أو في كثير من الحالات حقن المريض بكميات من الأنسولين " انتهى الاقتباس.
تعليق حمزة:
تعبير الطب الرسمي غير دقيق,  لنقل علم الطب كما هو متوفر حاليا , فتعبير "طب رسمي"  يوحي بوجود طب رسمي و طب غير رسمي , أو كما يستخدم الكثيرون طب و طب بديل..الخ
في الحقيقة يوجد هناك علم يسمى الطب يقوم على التجربة و الملاحظة و تقييم طرق العلاج , و هو ذي أسس بيولوجية و تشريحية و كيميائية حيوية و فيزيائية و نفسية و اجتماعية ..الخ
أي إن علم الطب مثل غيره من العلوم المستقرة :مرجعيته المنطق البرهاني التجريبي.
القول أن:
" الطب الرسمي يتعامل مع السبب الوظيفي ولا يتعامل على الإطلاق مع السبب الحقيقي لنشوء الظاهرة."
هو أمر   مناف للبرهان و تعبير خاطئ.
ليكن مثالنا  عن الداء السكري:
تبيَّن أن ضبط مستوى سكر الدم ضمن الحدود الطبيعية -  و هذا غير متاح بدون استخدام حقن الأنسولين بالنسبة للنمط الأول  و المراحل المتقدمة من النمط الثاني-  يجنّب المريض حدوث اختلاطات و مضاعفات قد تودي بحياته, و تسبب إعاقة دائمة له , و تبين أنه يقلل من نسبة الجلطات الدماغية و القلبية المرافقة و تحسن معدل البقايا على قيد الحياة,  و قد أثُبت ذلك تجريبيا و إحصائيا. و علم الطب لا يختصر الداء السكري في أنه قصور إفراز الأنسولين , بل هناك الآلاف و الآلاف من الدراسات تسعى لمعرفة لماذا يحدث قصور في إفراز الأنسولين,  و قد تبين على سبيل المثال وجود اضطراب مناعي و آليات معقدة..الخ
 و عدم توفر علاجات شافية لمرضى السكري ليس  تقصيرا ً و خطأ في الطب , بل هو هدف يُسعى له و بقوة , و لكن المعرفة البشرية نسبية,  و حاليا هناك تجارب  واعدة بخصوص زراعة خلايا بيتا و زراعة البنكرياس و الكلية و الهندسة الوراثية . .الخ
 و ما يُطلق عليه "طب بديل ..الخ" لم يقدّم فتح طبي جديد في هذا,  و ادعاءاتهم إعلامية فقط و  غير معززة بتجارب محكّمة.
و اختصار  أسباب البدانة بالعامل النفسي أمر غير دقيق و غير علمي, رغم أنه يوجد علاقات متبادلة : فالبدانة تؤثر على نفسية الإنسان و قد تُسبّب له قلق و اكتئاب ثانوي
و البدانة أو الهزال "نقص الشهية أو زيادة الشهية" قد يكونا إحدى أعراض لمرض الاكتئاب.
و لكن لحدوث البدانة عوامل معقدة منها العامل الوراثي و نمط الحياة و العادات الغذائية و عوامل تتعلق بالاستعداد الشخصي و أنماط الاستقلاب , ..الخ
و كلها عوامل تؤخذ بعين الاعتبار عند علاج البدانة
و لكن معظم حالات البدانة ليست ناتجة عن مرض أو اضطراب نفسي بالخاصة .
و في علم الطب ليست القضية فرضيات أو وجهات نظر
فهناك تعريفات محددة لكل من البدانة –الاكتئاب- القلق النفسي..الخ
و يمكن اختبارها و ربطها إحصائيا, فهذا التفسير للبدانة على أنها نتيجة فقدان الاهتمام العاطفي جزء من الصورة ,و ليس العنصر "السبب الرئيسي" المتحكم في الصورة.
&&&
يتبع

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   العلوم الاجتماعية