إسرائيل تنوي وضع عراقيل من "العيار الثقيل" على طريق الانتخابات الفلسطينية القادمة...فهي لا تريد لمراكز الاقتراع أن تدخل للقدس، "العاصمة الأبدية الموحدة لدولة جميع أبنائها اليهود"....وهي لا تريد لحركة حماس أن تشارك في انتخابات الضفة الغربية ترشيحاً وانتخاباً إن أمكن، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وتقبل حماس بشروط الرباعية الدولية الثلاثة.

في انتخابات 1996 و2006 التشريعية، سمحت إسرائيل بشمول القدس من ضمن الدوائر الانتخابية الفلسطينية...وفي الأخيرة، قبلت بمشاركة حماس فيها، وهي الانتخابات التي أفضت إلى فوز الحركة بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني...فهل سترتد إسرائيل بزعامة نتنياهو عمّا أجازته وقبلت به، حكومات إسرائيلية سابقة، وصار عرفاً ومسلمات لا يمكن الرجوع عنها أو الانقضاض عليها؟

من نافل القول، إن أحداً من الفلسطينيين لن يقبل بأي حال من الأحوال، بإجراء انتخابات ناقصة من دون القدس وحماس...فالانتخابات تفقد معناها و"نصابها" السياسي والجغرافي من دونهما...ومن الأفضل تأجيل الانتخابات أو حتى إلغاؤها، على أن تُجرى بالشروط الإسرائيلية المذلة، والتي سيترتب عليها تداعيات أشد خطورة من إلغاء الاستحقاق الانتخابي.

المعركة لم تنتهِ بعد...والفلسطينيون لا يتعاملون مع شروط حكومة نتنياهو كقدر لا رادّ له...وثمة مسؤوليات جسام تقع على عاتق السلطة والمنظمة والمجتمعين العربي والدولي، يتعين القيام بها فوراً ومن دون إبطاء، من أجل كسر صلف إسرائيل وغطرستها واستعلائيتها...وفي ظني فرص الانتصار في معركة الانتخابات المقبلة، هي فرصة عظيمة، إن نحن أجدنا خوضها بكل ما نمتلك من أوراق وتحالفات و"منطق، مع أن إسرائيل علمتنا "أن قوة المنطق ليست بديلاً عن منطق القوة"، وان الانتصار عليها في معاركنا المقبلة، يستوجب الاتكاء إلى الأمرين معاً: المنطق والقوة.

ليس مستبعداً أبداً، أن تكون الإشارات الإسرائيلية الاستفزازية هذه، تستهدف ممارسة ضغط على الفلسطينيين للحصول على مكاسب في "ملفات" أخرى، من شاكلة "الانتخابات مقابل المفاوضات"...تسمح إسرائيل بإجرائها في القدس وبمشاركة حماس، مقابل عودة الفلسطينيين لمائدة المفاوضات العبثية، ومن دون شروط مسبقة....هذه مقايضة لئيمة، لا يجوز بحال الخضوع لشروطها الابتزازية.

واحدة من أهم أوراق القوة في هذه المعركة تتجلى في استكمال مسار المصالحة الوطنية...هنا ثمة "تسريبات" مقلقة تقول بإمكانية تأجيل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلى حين توفر الضمانات الدولية لإجراء الانتخابات في جميع مناطق السلطة وبمشاركة جميع المكونات الفلسطينية الراغبة بذلك...هذا ليس خياراً أبداً، وهو وإن كان مفهوماً ومقبولاً لعدة أيام أو عدة أسابيع، فإنه لا يجوز أن يصبح "حلاً".

وثمة "تفهم" من قبل المجتمع الدولي لإجراء انتخابات مقبلة وفقاً لذات الأسس التي جرت على أساسها الانتخابات الفائتة، بما فيها القدس حماس، هذا أمر يمكن البناء عليه، وموقف يمكن تطويره واستنهاضه...وربما نكون أمام فرصة إضافية لتحريك الموقف العربي الرسمي والشعبي، واختبار جديته وجدواه، في التصرف حيال واحدة من معارك الفلسطينيين، حتى وإن كانت ليست "أم معاركهم"...هنا يمكن البناء على نتائج الثورات العربية ويقظة الوعي الديمقراطي التوّاق للحرية لدى ملايين العرب.

سبب التأجيل وفقاً لهذه "التسريبات" يعود لرغبة الرئيس بعدم تولي رئاسة حكومة دائمة، أو "طويلة الأمد"، تشبه حكومة الدكتور سلام فيّاض التي قضت خمسة أعوام في "تصريف الأعمال" أو عدم تصريفها...الرئيس عباس قبل بتولي رئاسة الحكومة، على أن تكون حكومة انتقالية، مؤقتة ومكلفة بالأعمى على إنجاز مهمتين: إجراء الانتخابات وإعمار غزة...هو يتحدث عن عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، ومن يعزف عن الرئاسة الأولى، لا يبدي شغفاً بالاستحواذ على رئاسة ثانية.

وأحسب أن المماطلة الإسرائيلية في إعطاء الضوء الأخضر لإجراء الانتخابات يملي وضع جدول زمني جديد لرزنامة المصالحة الفلسطينية، فإن لاحت في الأفق بوادر "حلحلة" دولية، مضينا إلى حكومة وحدة وطنية برئاسة عباس، وإن بدا أن حبال المماطلة والعرقلة ستمتد وتتطاول، فلا بأس من إعادة البحث في تكليف شخصية أخرى لشغل هذا المنصب...المهم ألاّ يكون مسار المصالحة، هو أول ضحايا الغطرسة الإسرائيلية.

ثمة ما يشي بأن درجة من التفاهم حول هذه العناوين، قد جرى التوصل إليها بين عباس ومشعل في اجتماعات الدوحة والقاهرة الأخيرة...وهذا أمر جيد ومُطمئن...على أن التراشق المتواصل بالاتهامات بين مسؤولين ومساعدين وناطقين على ضفتي الانقسام الفلسطيني يبعث على الخشية من نجاح إسرائيل في نقل مسؤولية تعطيل الانتخابات وتبعاته، إلى الملعب الفلسطيني الداخلي...عندها نكون قد خسرنا الانتخابات المصالحة، سواء بسواء....عندها نكون قد عدنا أدراجنا إلى المربع الأول.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور