صدرت عن الرسالة للنشر والإعلام في أمّ الفحم قصّة حامد اغباريّة المسمّاة (نجلا العروس) في 47 صفحة سنة 1430هـ الموافق 2009م.
قدّم حامد لقصّته بقوله:"هذه القصّة خياليّة، أحداثها مستوحاة من واقع النكبة الفلسطينيّة وهي مبنيّة على حادثة حقيقيّة رواها ضابط سابق في الجيش الصّهيونيّ عام 1991، وكان هذا الضّابط قد شارك في اغتصاب القرية الفلسطينيّة في الجليل الأعلى عام 1948، وتمّ هدم القرية ومسحها عن وجه الأرض.
وكان الكاتب ينوي أن يكتب رواية طويلة بدأ بالتحضير لها مطلع التّسعينات من القرن الماضي، إلّا أنّ ظروفًا قاهرة حالت دون ذلك. فخرجت الرّواية المتوقّعة قصّة هي موضوع بحثنا في هذه الندوة.
قسّم حامد قصّته ثلاثة أقسام سمّاها: الصّفحة الأولى والصّفحة الثّانية والصّفحة الثّالثة. حيث جاء تحت عنوان الصفحة الأولى أحداث القصّة في شهر أيّار سنة 1948 وأهمّها أفراح عائلة الفرحان وهي عرس فخري الفرحان على عروسه نجلا الفرحان.
جاء الوصف في القصّة رائعًا، فوصف الكاتب تحضير الشباب ساحة البيدر للسهرة والتّعليلة والزّفة وصفًا دقيقًا يعرفه أهل فلسطين الذين عاشوا في الفترة من (1900-1950)، حيث نصب الشباب البراميل الكبيرة على أطراف البيادر، ووضعوا فيها جذوع أشجار طويلة ثبّتوها بالحجارة ليعلّقوا عليها مصابيح الكاز (الفوانيس)حتّى تضيء السّاحة. ونصبوا خيمة كبيرة ليجلس تحتها الرجال كبار السّنّ، أمّا النّساء فكان مكانهنّ حوش دار مفلح الفرحان قريب العروسين. ونلاحظ هنا أنّ مجتمع الرّجال مفصول عن مجتمع النّساء ولا يجوز الاختلاط بين الرّجال والنّساء.
ووصف لنا الكاتب مشاعر الناس وأحاسيسهم واضطراباتهم عندما سمعوا بأنّ عصابات يهوديّة ستهاجمهم في الليلة التي دخل فيها فخري على عروسه، واختلاف آرائهم فيما سيفعلون: فالشّباب طالبوا بحمل السّلاح والدّفاع عن القرية، والمختار ومعه نفر غير قليل حاولوا إقناع يهود بأن يبقوا في القرية، وفريق ثالث رأى ترك القرية قبل أن تشنّع بهم عصابات صهيون.
كذلك وصف لنا جرائم يهود في قتل العريس بعد تكبيله وجرّه أمام أهل القرية وأمام ناظري أبيه، وقتل أبيه وأمّه، والاعتداء على عروسه. إلا أنّها نجت بأعجوبة حيث اختبأت في خمّ الدّجاج بعد إصابتها برصاصة في صدرها. وهربت مع أحد الصّبية الذي نجا هو أيضًا من الموت بأعجوبة لأنّ إصابته كانت في رجله وتظاهر بأنّه ميت.واستطاع هذا الصّبي المسمّى (عمر) والعروس نجلا أن يلحقا بالمشرّدين من أهل بيت الزير، عند الحدود الّلبنانيّة، وهناك تعالج نجلا والصّبي وتكتب لهما الحياة.
ووصف لنا حامد المعركة غير المتكافئة بين شباب القرية الذين حملوا السّلاح وخرجوا إلى أطراف القرية للدفاع عنها وعصابات يهود المدججة بالسّلاح والعتاد. وكيف صمدوا أمام القوّة اليهوديّة الّتي هاجمت القرية، وقتلوا وأصابوا عددًا منها، حتّى نفدت منهم الذخيرة فاضطروا إلى الانسحاب واللحاق بأهاليهم إلى الحدود اللبنانيّة.
وفي أحلك السّاعات يوصي العريس أباه:(لا تخاف عليّ يابا، دير بالك على إمّي وخواتي وعلى نجلا... لا تخاف عليّ يابا). صفحة15 وهذا دليل على أهمّيّة العِرض ومكانة الشرف عند أهل فلسطين، وعند العرب جميعًا، وهي من مفاهيم الأعماق التي رسّخها الإسلام في نفس كلّ من عاش في ظلّ الدّولة الإسلاميّة، ويدلّ على ذلك قول الكاتب على لسان أحد الرّجال(يا رجال، احموا النّسوان والأولاد. يمكن اليهود لحقونا. خلّينا نموت واقفين على اجرينا ولا عيشة الذل) صفحة19
أمّا الحوار في القصّة فهو بيّن ظاهر واضح. فأجاد الكاتب في الحوار بين المختار وأهل القرية، حيث كان كلّ واحد يبدي وجهة نظره ويدلّل على صحتها. وكذلك الحوار بين المختار وقائد القوّة اليهوديّة الّتي هاجمت قرية بيت الزير. وجاء تفصيل ذلك في الصفحتين (14-15). والحوار بين فرقة الجيش الّلبنانيّ والصّليب الأحمر من جهة وبين الشّبّان المهجّرين من قريتي بيت الزير والبصّة من جهة أخرى. والحوار بين العجوز وعمر، وبينها وبين الأطفال الذين طلبت من أحدهم أن يدلّ عمر على بيت نجلا، وبين عمر ونجلا، وبين نجلا وابنها عايد، عندما أحضر عمر صورة زوجها فخري الّتي رسمتها قبل الزواج وتلطّخت بالدّماء ليلة العرس نتيجة مهاجمة يهود لهم.
وكذلك الحوار بين عايد وأمّه عندما أرته صورة شموئيل الّتي رسمتها بيدها، وعرّفت ولدها عليه لينتقم منه لأنّه قاتل أبيه. (فضمّته بقوّة وهي تقول: اسمع يما... بدي ايّاك تكبر وتصير زلمه وتدوّر على حقّك وحقّ أبوك وتحطّو براسك). صفحة33
والحوار بين عايد وشموئيل:(احكي معي بالعربي، ولّا نسيت العربي يا شموئيل؟ نسيت بيت الزير؟ نسيت الّلي اعملتو بأهل بيت الزير؟ نسيت أبوي فخري الفرحان الّلي قتلتو ليلة عرسو؟ نسيت إمّي الّلي طخّيتها بليلة عرسها؟ نسيت يا شموئيل؟ نسيت؟؟؟) صفحة40
أمّا الصفحة الثّانية صفحة26 فابتدأت بخطأ بيّن حيث يقول الكاتب:(خريف 1952. اقترب الطفل ابن السنوات الستّ). فإمّا أن تكون خريف 1952 والطّفل ابن أربع سنوات، أو خريف 1954 والطّفل ابن ستّ سنوات؛ لأنّ الطّفل من مواليد 1949. وكذلك عمر كان سنة 48 من الصّبيان ابن 14 سنة فيكون عمره سنة 54 عشرين سنة، وجاء ذلك صراحة في قول الكاتب:(توقّفت سيّارة قديمة حمراء في زاوية الشارع التّرابي الضّيّق، وترجل منها شابّ يعرج بقدمه اليسرى. كان فارع القامة يقارب العشرين من عمره).صفحة27
وفي الصفحة الثالثة التي جاءت في الكتاب في الصّفحة32 عرّفت نجلا ابنها عايد على صورة شموئيل وحضّته وحثّته وحرضته على الأخذ بثأر أبيه. وغرست فيه هذا المفهوم، بحيث صار لا همّ لعايد إلا تحقيق هذا الأمر الذي يزيح الهمّ عن نفسه وعن نفس والدته، ولا راحة لهما إلا بتحقيقه.
وبالفعل يتسلّل عايد من الحدود الأردنيّة سنة1982، وبالتنسيق مع شباب المقاومة يستطيع الوصول إلى نهاريّا حيث يسكن شموئيل. ويدور بينهما حوار طويل سبق ذكر بعضه في الفقرة السّابقة. ويحاول شموئيل أن يغري عايد بالدّولارات الكثيرة فيرد عليه عايد بقوله:(كلاب...كلاب كل عمركو بتفكرو انو الفلسطيني ببيع قضيتو بالدّولارات. واحنا يا شموئيل ما بنقتل نسوان. سامع؟ ما بنقتل نسوان. انا جاي بس على شانك. من يوم ما وعيت على الدّنيا في المخيم... فاهم؟ في المخيّم. عارف شو يعني مخيّم؟؟؟ من يومها وأنا ما عندي هدف غير انّي أوصلّك). صفحة41.
وكان عايد قد تعرّف على شموئيل عندما رآه في برنامج تلفزيونيّ سنة1977 فنادى على أمّه وقال مشيرًا إلى الصّورة في التلفزيون:(شوفي شوفي مين هاذ؟!!! فتهاوت فوق الكرسيّ وهي تقول:"هاذ هو.. هاذ هو!!")صفحة36.
وعندما علمتْ نجلا -وهي على سرير المستشفى- أنّ ابنها قد أَخَذَ بثأر أبيه لكنّه أُخِذَ أسيرًا(شَعَرَتْ وكأنّ صخرة عظيمة تنزاح عن صدرها وتمتمت: الحمد لله الحمد لله الّلي عشت لهاللحظة ... بهمّش يما... الحبس للرجال... اليوم بقدر أقول إنّي إم عايد الفرحان، ابن فخري الفرحان بصحيح).صفحة46-47.
ولقد أجاد الكاتب في وصف مشاعر الأمومة عند نجلا عندما خرج ولدها من الأردنّ للأخذ بثأر أبيه حيث قال على لسانها:(ليلة ما طلع عايد على الأردنّ، حسيت إنو رايح عالموت، ندمت وقلت لحالي:يا ريتني ما خبّرته باشي... يا ريتني خلّيتو حدّي!!! ع القليلة بتونس بيه، وبشوف فيه أهلي وربعي وذكرياتي. وبعدين لحقتو عشان أرجّعو، بس كان صار بعيد عن المخيّم. وانا راجعه وبحكي مع حالي).صفحة45. كما أجاد في وصف مشاعرها عندما سمعت بوقوعه في السّجن بعد الأخذ بثأر أبيه التي مرّ ذكرها.
وهذه المسألة مسألة الأخذ بالثأئر تعامى عنها يهود، فأمعنوا بالفلسطينيين قتلا وسجنا وتعذيبا وهدما للبيوت وقطعا للأشجار، وإيقافا وإذلالا لهم على الحواجز بالساعات، وما علموا أن ذلك لا يزيد الفلسطينيين إلا حقدا وكراهية وانتقاما. وكأني بلسان كل فلسطيني يقول: لا رحم الله يهود، ولا رحم الله من يرحم يهود. وقديما قالت العرب: "القتل أدعى للقتل". فالعربي يقتل قريبه إن اعتدى عليه، فكيف إذا كان القاتل من يهود؟!
وأخيرًا جاء الكتاب بلهجة أهل شمال فلسطين التي يعرفها ويفهمها كلّ أهل فلسطين بسهولة ويسر. وإن كان الأمر مختلفًا بالنّسبة لغيرهم من أهل العربيّة.
المراجع
رابطة أدباء الشام
التصانيف
أدب شعر كتاب