اجتمع العاملون في البحر, واصطف الناس على أرصفة ميناء أودينس ليؤدوا التحية لأكبر سفينة تجارية في كوكب الأرض, ويشهدوا ولادة أضخم وسائل النقل العائمة في الألفية الجديدة, ويلتقطوا الصور التذكارية للسفينة المحورية, التي يزيد حجمها على حجم أكبر حاملات الطائرات في الأساطيل الحربية العالمية.
جبل من الحديد الصُلب بطول أربعة ملاعب كبيرة من الملاعب الاولمبية المخصصة لكرة القدم, جبل يطفو برشاقة على سطح الماء, ويتحرك بخفة على هيئة سفينة عملاقة مخصصة لنقل 15000 حاوية, في كل رحلة من رحلاتها المكوكية في عرض البحر.
تصميم هندسي مذهل, وقطعة فنية في منتهى الروعة والجاذبية, وبناء معماري هائل مكوّن من صفائح وأضلاع فولاذية ممتدة بالطول والعرض, ومتقاطعة بخطوط انسيابية متوازية.
أنها أشبه بميناء عائم تسيّره محركات جبارة من طراز (وارتزلا) عالية الكفاءة والجودة, تقدر قوتها بمائة ألف حصان من خيرة جياد (الديزل) المعززة بالعقول الالكترونية, وتساندها قوة حصانية إضافية, تقدر بأربعين ألف حصان, توفرها لها خمسة محركات مساعدة من طراز (كاتربلر), بمعنى أن حجم الخيول وأعدادها الهائلة يفوق أعداد الخيول الجامحة, التي حملت الجيوش الجرارة, ودكت أسوار الإمبراطوريات العظمى, فهي أكثر بكثير من أعداد الخيول, التي اجتاحت بلدان الشرق والغرب في غزوات الإسكندر الكبير, وفي غارات جيوش جنكيزخان.
اجتمعت قوة هذه الخيول كلها لتؤلف القوة الاندفاعية لزعانف ورفاسات السفينة, وتمنحها القدرات الفائقة على المناورة والحركة المرنة, وتزودها بالطاقة اللازمة للانطلاق في عرض البحر بسرعات قياسية تصل إلى خمسة وعشرين ميل بحري في الساعة, أي في حدود خمسة وخمسين كيلو متر بالساعة, وهي سرعة فائقة جدا في المعايير البحرية الشائعة, تؤهلها لقطع المسافة بين كاليفورنيا والسواحل الصينية عبر مسالك المحيط الهادي بأربعة أيام بلياليها, والمثير للعجب أن هذه السفينة الجبارة يديرها طاقم مؤلف من عناصر منتخبة من أكفأ رجال البحر, لا يزيد عددهم على تشكيلة أعضاء فريق كرة القدم.
يمارس أفراد طاقم السفينة حياتهم الاعتيادية, وكأنهم يعيشون على اليابسة في أرقى الفنادق الفارهة, أو كأنهم يمضون أحلى أوقاتهم في المنتجعات الساحلية الجميلة, إذ يتألف سكن السفينة من عشرة طوابق بملاعبها وقاعاتها وغرفها ومسابحها وصالوناتها, وفوقها برج القيادة المجهز بأحدث تقنيات الملاحة المستقبلية المعتمدة على أروع معدات الذكاء الاصطناعي.
اسم السفينة (إيما ميرسك) وهي مسجلة في الدنمارك, البلد الذي انطلقت منه العقول الهندسية, وازدهرت فيه ورشات السفن, وحلقت عاليا في فضاءات عالم الصناعات البحرية الثقيلة, فاستطاعت أن تسجل قفزات نوعية هائلة, وتحقق خطوات ملاحية رائدة وغير مسبوقة.
بيد أن (إيما) لم تكن بمنأى عن الحوادث الطارئة, إذ اندلعت فيها النيران, وتصاعدت منها السنة اللهب, والتفت حولها السحب السوداء, ولم يشفع لها لونها الأزرق في درء شر العيون الحاسدة, وطرد الأرواح الشريرة, التي مافتئت تتربص بالسفن العملاقة حيثما ذهبت في عرض البحر. .
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب ملاحم شعرية