العنف  هو إلحاق الأذى والضرر بالغير، سواء كان هذا الغير فردا أو جماعة أو دولة  وهو وسيلة  للسلطة والهيمنة . فإذا صدر عن الفرد فهو رد فعل ومقاومة ، وإذا كان من جماعة سياسية أو أقلية عرقية أو قبيلة فهو رمز للقوة والظهور ، أما إذا مارسته  الدولة  على دولة أخرى أو على المجتمع أو الأفراد بهدف سلب الحريات والإذلال ونهب الخيرات فهو إرهاب السلطة والاستعمار ، أما إذا كانت وراءه دولة أو جماعة إسلامية  منظمة تدافع عن وجودها وحريتها في التبليغ والدعوة  فهو جهاد .
لقد تساءلت الملائكة تساؤل رجاء ورحمة وتذرع إلى الله  سبحانه وتعالى وليس تساءل اعتراض على مشيئته  سبحانه وتعالى  عن جدوى خلق البشر وهو كائن عنيف قتال ، سيسفك  الدماء ويفسد في الكون ، فقالت : [ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ ]  ( سورة البقرة آية  30 ) من هذا التساؤل نستشف أن  العنف محايث ومصاحب للإنسان ومرتبط  بالمرحلة الأولى لوجوده . كان أول عنف إنساني عرفه التاريخ ، كما أخبرنا القرآن الكريم على يد ابن آدم قابيل ، الذي قتل أخاه هابيل بسبب الحسد والغيرة  [ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك  إني أخاف الله رب العالمين ]  ( سورة  المائدة  آية 28 )  ومنذ ذلك الحين حرم الله العنف العدواني الظالم   [  من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا  ]  ( سورة المائدة  آية  32  ) وأباح  في مقابله  العنف  الشرعي ، الذي هو ضروري لاستمرار الحياة وتنظيم المجتمع  والدفاع عن النفس وحرية المعتقد والعبادة والعرض والأرض و إقامة العدل وتطبيق الحدود كحد السرقة وحدود  القصاص وصيانة الأخلاق والقيم  السياسية والاجتماعية  ورد العدوان ...وبهذا يسود الأمن وتستقيم الحياة ويطيب العيش ، كما أخبر بذلك القرآن الكريم [ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ] ( سورة  البقرة  آية  179   )   وبدونه ستعم الفوضى ويهلك الحرث والنسل ولكن الإسلام في نفس الوقت ينبذ العنف ويحرم الظلم والاعتداء والفساد بكل أشكاله  والقتل بغير حق [ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون  ]  (   سورة  الأنعام   آية 151 )  ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم   " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ( رواه الإمام أحمد في المسند ج2ص224ر7086     وقوله  " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن  ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " ( رواه أبو هريرة رضي الله عنه ) ....  كما أن القرآن الكريم يجيز العنف في حالات مواجهة البغي والعدوان والظلم بغض النظر عن مصدره وعن الجهة التي تمارسه، يقول الله سبحانه وتعالى  [ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ] ( سورة الحجرات آية 9 ) ولكنه في نفس الوقت ينهى عن الاعتداء عن الذين يسالموننا ولا يقاتلوننا أو يتآمرون على قتالنا ، بل يوصينا ببرهم وإنصافهم .... فيقول [  لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون  ] (سورة الممتحنة  آية  8- 9  ) فمن خلال هذه الآية نستنتج أن الإسلام لا يربط بين الكفر والعنف ، بل بين العنف كرد فعل ضد الظلم والجور ، إذ  يمكن أن يكون بيننا وبين الكافرين  تقارب وتعامل حسن ، وربما مودة  وصداقة ، إذا لم يصدر منهم ظلم لنا وإثم في حقنا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : [   عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم  ... ] ( سورة الممتحنة    آية 7 )  . بل يحثنا القرآن الكريم  ويرغبنا  في العفو والتسامح  مع  من يسيء إلينا ويأثم في حقنا ، فيقول [  ولا تستوي الحسنة ولا السيئة  ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ] ( سورة فصلت آية 34 )  .أما العنف الجهادي فقد  شرعه الله سبحانه وتعالى ، لتطهير الأرض من الفساد ودفع الظلم عن النفس  والدفاع عن الضعفاء المظلومين والمعذبين في الأرض لقوله سبحانه وتعالى [ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها سم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ]  ( سورة الحج  آية 39-40   ) . إن العنف يصبح مشروعا وضروريا وواجبا عندما يشعر الإنسان بأن دينه ومعتقده وحياته ووجوده الفردي والاجتماعي وحريته وكرامته وأخلاقه في خطر أو عندما يتعرض وطنه للاحتلال غير المشروع أو عندما يقاوم الظالم والجائر، فإذا انتفت هذه العوامل كان التشبث بالسلم  أولى وكان العنف غير مشروع ولا مبرر له لقوله تعالى  [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله  يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ]  (  سورة الأنفال  آية 60 - 61  )  .
إن  مشكلة العلمانيين والحداثيين بصفة عامة  ، هو الرغبة في السلطة وحب السيطرة والملك لتحقيق أهدافهم المادية و مطالبهم الزائفة  والمتغيرة باستمرار ولهذه الأسباب فهم يمارسون  العنف العلماني المنظم :  العنف السياسي المرتبط بالاعتداء والظلم والقهر والاضطهاد ...واللصيق بالسلطة والمرافق لها في حالات  إخضاع الناس وسلبهم  حرياتهم واستعبادهم ، لأنهم يرون أن العنف يعد من المكونات الأساسية لكل عمل سياسي ناجح، ولقد  أكد  منظرهم كارل ماركس على ضرورة تبني الطبقة  البروليتاريا  للعنف وتأطيره جماهيريا ولو مرحليا ، لأنه ضرورة تاريخية حسب رأيه ، وكما يرى جورج سوريل أنه { يجب تحريك الجماهير عن طريق أساطير سياسية تؤمن بها  ، كتحقيق المساواة المطلقة والوحدة العمالية العالمية غير القابلة للتحقيق في الواقع ولكنها تثير الجماهير عاطفيا  وتفجر طاقة الثورة لديهم ضد النظام القائم } (1)
إن السياسة في منظور العلمانيين هي عنف ومؤامرات واغتيالات وصراع مستمر على السلطة وعلى الزعامة والقيادة ولذلك لم يهدأ بالهم  بعد الربيع العربي واختيار الشعوب لحكامها الإسلاميين عن طريق الصناديق الزجاجية ، التي طالما هلل لها العلمانيون ودعوا إليها باسم الديمقراطية والمساواة ، الشيء الذي لم يستسغه العلمانيون ولم يعجبهم ، فدعوا إلى  ما يسمونه بالعنف الثوري المنظم  وبرمجوه ضمن مخططاتهم باعتباره مكونا من مكونات السلطة ووسيلة  وآلة  لإعادة الحكم والسيطرة على الشعب  من جديد ، مستلهمين في ذلك فكر ميكيافيلي ، الذي يرى أن الدين والأخلاق لا مكان له في السياسة ومن ثم فعلى الأمير أو صاحب السيادة ، كما يسميه هوبز ، كفاعل سياسي أن يلجأ إلى العنف إذا أراد السيطرة على الحكم . كما اعتمدوا فكر  توماس هوبز الذي يجعل من العنف عنصرا أساسا في العلاقات السياسية الاجتماعية ، وفكر فريدريك نيتشه الذي يرى الحياة العظيمة تتمثل في الإجرام والعنف وليس في الرحمة ، التي تعلم الكذب وتضيع القوة ولا في السلام المتعفن بتعبيره ، فلم يجدوا من الشعب المسلم من يترجم ميولاتهم السياسية العنيفة هذه وفكرهم المريض إلا حركة 20 فبراير ذات التوجه الإلحادي والسلوك الجنسي الشاذ  مثل حركة وكالين رمضان وجمعية كيف كيف  وأنصار الانفصاليين المأجورين بائعي وطنهم وأعداء ملكهم  الذين لم يستطيعوا جمع حتى عشرين فردا في بعض مظاهراتهم لكراهية الشعب لهم وللتعاون معهم  .
 
إن تحرير بلدان  الربيع العربي  من حكم اليسار والقوى العلمانية ، أدى إلى شعور العلمانيين بالخوف والخطر على مراكزهم السياسية والاقتصادية ، فراحوا يدعون إلى المظاهرات العنيفة وإلى عرقلة  العمل السياسي الإسلامي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وكيل الاتهامات لحكومة بنكيران بالتباطؤ في الإنجازات وتسريع الإصلاح وهم الذين دفعوا بالبلاد إلى الهوية ، محاولة منهم بخس مجهودات  الإسلاميين والتشكيك في كفاءاتهم بهدف زحزحتهم عن الحكم  وإسقاطهم ، وبالتالي استعادة مركزهم السياسي المفقود ، دون أي اعتبار لنتائج الانتخابات ولا الاهتمام بالديمقراطية التي يتشدقون بها والتي لا يمكن على الإطلاق ، أن تجتمع مع  العنف ، إلا إذا امتزج البنزين مع النار أو امتزجت النار مع  والماء  . المهم عندهم هو السيطرة على العملية السياسية  والانقلاب على الشرعية السياسية  وعلى خيارات الشعب وإرادته وهذا ما يخطط له في مصر وليبيا وتونس واليمن ولم تستثنى ، من مؤامراتهم وكيدهم ومظاهراتهم الفاشلة حكومة بنكيران الإسلامية بالمغرب . يقول الدكتور رفيق حبيب القبطي  رئيس حزب الحرية والعدالة السابق والباحث السياسي  : { منذ مايو 2011 نلاحظ مظاهرات تدعو لها قوى علمانية ، ثم عنف ثم دعوات للحوار ، ثم شروط تعلنها القوى العلمانية ، ثم ضغوط على القوى الإسلامية لتقديم تنازلات من أجل وقف التوتر والعنف ، إذن العنف أداة قوى علمانية لابتزاز القوى الإسلامية سياسيا . } (2) . والدكتور خالد سعيد المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية  صرح هو الآخر قائلا : { إن القوى الإسلامية تحشد بالملايين في الشارع ولم تحدث حالة اعتداء واحدة ولم يحرق أي حزب ، لافتا  إلى البلطجة التي تحدث في مظاهرات القوى العلمانية وحرق مقرات حزب الحرية والعدالة والتحرش الجنسي بالفنانات بميدان التحرير خير شاهد على تبني العلمانية للعنف المنظم }(3) .
إن عنف العلمانيين السياسي مزدوج فهو مادي وفكري إيديولوجي ،  فالأول  يتم عن طريق الوسائل القمعية  كالسجن ، التعذيب ، التجويع والتفقير- ( الدعاة المسلمون وما يتعرضون له من قمع داخل وخارج السجن لمجرد التعبير عن أفكارهم  أو حتى لمجرد الصلاة داخل الزنزانة نموذجا ) - . أما الثاني ، فهو رمزي ويتم عبر الصحافة العلمانية المكتوبة والإلكترونية والمسرح والبرامج الإذاعية والتربوية ... كما يروجون - خاصة في برامجهم السياسية ، التي يطلقونها  بالمناسبات الانتخابية - أفكارا كاذبة تثير العواطف لإقناع السذج من أفراد الشعب ، مثل فكرة الحرية ، المساواة ، الديمقراطية ، العدالة ، حقوق الإنسان " كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " والوعود الكاذبة  بتوفير العمل لكل عاطل وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهات التي  يترشحون فيها ....
لقد ساهم الفكر العلماني المادي في نشر كل أشكال العنف ، التي يعني منها مجتمعنا وذلك عن طريق المنظومة التربوية التي أفرغوها من محتواها الأخلاقي والديني وحملوها أفكارا ومبادئ غريبة عن مجتمعنا كحقوق الطفل وحرية الجسد وترك الحبل على الغارب للطفل ، الشيء الذي أدى إلى ظهور العنف ضد الأصول والأسرة  وضد الأساتذة  والمجتمع ككل ، إذ أصبحنا نسمع بتعنيف الآباء بل وبقتلهم  وقتل الأخ لأخيه أو أخته بسبب عشرة دراهم  وبقطع أيادي المارة وإزهاق الأرواح بهدف السرقة ، كما انتشر الاغتصاب والعصابات الإجرامية  ... كل ذلك بسبب إشباع النزوات والشهوات المريضة ، التي تدعوا لها العلمانية باسم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية فإلى الله المشتكى  . 

المراجع

رابطة ادباء الشام

التصانيف

شعر   أدب    كتاب