الحديث عن المخاطر المترتبة على تفاقم الأزمة السورية وانفلاتها من دائرة السيطرة والتحكم، يرتبط دائماً بالحديث عن تداعيات وامتدادات إقليمية للحدث السوري...وغالباً ما يأخذ حديث كهذا، مسربين اثنين: الأول، وفيه تعبير عن خشية من مغبة اتساع دائرة النزاعات الطائفية والقومية والعرقية، هنا بالذات يؤتى على ذكر لبنان والعراق وتركيا، الدول الثلاث التي تشترك مع سوريا وتشاركها في بعض خصائص “فسيفسائها” الديموغرافية... والمسرب الثاني: يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي بتشابكاته الإقليمية الأوسع نطاقاً، وهنا يندرج التحذير المستمر من مغبة أن نجد إسرائيل، وربما إيران، قد تورطتا في حرب مباشرة أو بالوساطة، انطلاقاً من سوريا وفي الصراع عليها.

لكن اللافت للانتباه، أن تقارير صحفية وتقديرات استخبارية نشرت مؤخراً، أخذت تضع الأردن في بؤرة هذه التطورات، مع أنه الأكثر انسجاماً بين دول المنطقة من حيث تركيبته السكانية، والأكثر حذراً في مقاربة الملف السوري، والأقل رغبة في التورط في دهاليز السلطة والمعارضة هناك، على حد سواء.

ربما تكون “الجغرافيا” هي أول ما يسترعي انتباه المراقبين لاحتمالات تأثر الأردن بالسيناريوهات الأشد خطورة التي تنتظر الأزمة السورية... لكن الجغرافيا وحدها لا تفسر قلق وتحسب أوساطٍ عديدة من خطورة تعرض الأردن لارتدادات الزلزال السوري، فالأردن يعاني من مشاكل عديدة، قد تكون بعضها أو جميعها سبباً كافياً للقلق من هبوب “الريح الشمالي السموم”، وهنا غلباً ما يُشار إلى الاحتقانات الناجمة عن انحباس عملية الإصلاح السياسي تزامناً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية – المالية والاجتماعية.

في شهر نيسان الفائت، حذّر تقرير أوروبي من مغبة التأخر في إنجاز الإصلاح السياسي وتحقيق تقدم ملموس على دروب التحوّل الديمقراطي...التقرير يُعد من وجهة نظري، نقلة مهمة وخطيرة في النظرة الأوروبية لمسار الإصلاح في الأردن...وفي سلسلة التقييمات والتقديرات التي نشرت حول التغييرات الأخيرة في المواقع الأمنية السعودية، قيل أن أحد بواعثها القلق على مستقبل الأردن ولبنان في حال حصل التغيير (أو لم يحصل) في سوريا....ومن بين الأسباب التي أدرجها أردوغان في محادثاته مع بوتين، لاستعجال التغيير في سوريا، قوله أن إطالة أمد الأزمة سيهدد أمن واستقرار دول المنطقة بمجملها.

في الأدبيات السياسية المحلية، لا يخلو مقال أو تصريح أو تقييم لواقع الحال، من حديث عن المستقبل...وسؤال “أين يتجه الأردن من هنا؟” هو أول ما يباغتك به من تلتقيهم من المواطنين والأهل والأصدقاء في كل مناسبة اجتماعية.

بصرف النظر عمّا إذا كانت هذه التقديرات المتشائمة دقيقة أم مبالغ بها، نرى أن الأردن لن يكون بمنأى عمّا يحيط به من هزات وزلازل، فيما ملف الإصلاح وما استولده من حراكات وتحركات، لم يغلق بعد...وثمة مؤشرات على وجود طاقة غضب محتقنة كامنة، لا ندري كيف سيجري تصريفها وبأي اتجاه...ففي الوقت الذي تزداد فيه ضراوة الأزمة المالية والاقتصادية وتزداد معيشة الناس صعوبة، يرتفع منسوب الإحباط من مآلات مسار الإصلاح السياسي الذي تمخض عن قانون انتخابي، سيصب المزيد من الزيت الحار على نار التأزم وجمر الاحتقان والاستقطاب والعنف المجتمعي.

لا خلاف على أن الوضع ليس مريحاً ...بيد أن المرء يحار في ركون المسؤولين في الدولة إلى أفعالهم الرتيبة اليومية، لكأن كل شيء على ما يرام...المرء يحار فعلاً في فهم حالة الإحجام عن التحرك والمبادرة لقطع الطريق على أسوأ السيناريوهات.

لا نريد أن نقبع في مربع التشاؤم واليأس، ولا نرغب القيام بدور “نذير الشؤم”، فتلك ليست من صفاتنا ولا هي مهمتنا، لكن التنبيه من الخطر القادم، ولفت الأنظار إلى الحاجة لجبهه وقطع الطريق عليه، هو ما نفضل القيام به من دون تردد، حتى وإن أزعج كلامنا بعض الناس، وافسد عليهم سكينتهم...العالم يتغير من حولنا، والأردن يتغير بتسارع في هذا الإقليم المتغير، وعلينا أن نكون الأكثر استعداداً لمواجهة قادمات الأيام.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   عريب الرنتاوي   جريدة الدستور