أياً تكن المآلات النهائية للأزمة السورية، فإن بعض الأطراف الفلسطينية واللبنانية، ستتصدر قائمة “الخاسرون” برحيل النظام السوري أو حتى ببقائه ضعيفاً مفككاً ومحاصرا...في مقدمة هؤلاء “حزب الله” اللبناني وبعض حلفائه من قوى الثامن من آذار، فضلاً عن فصائل فلسطينية، بعضها مؤثر وبعضها الآخر هامشي، من أبرزها الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة...وغني عن القول، أن الخسارة ستتفاوت من حيث حجمها وتأثيرها من جهة إلى أخرى.
من بين جميع هذه الأطراف على الإطلاق، فإن مصائر حزب الله ومستقبل دوره وموقعه، هي أكثر ما يثير اهتمام المراقبين والمهتمين، لا بسبب الثقل الوطني والإقليمي المتميز للحزب فحسب، بل لأنه من بين جميع أعضاء “نادي الخاسرين”، هو الطرف الأكثر حيوية وفاعلية في إطار “جبهة المقاومة” مع إسرائيل، وهو الذي سطّر بجدارة ، واحدة من أهم وأميز صفحات الصمود والتصدي في مواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيليتين.
لن ينتهي حزب الله بانتهاء النظام السوري أو سقوطه، هذه حقيقة نسجلها ابتداء، ونعتمد في تقريرها على ثلاثة عوامل جوهرية، كفيلة بإدامة الوجود الفاعل للحزب، حتى وإن تراجع دوره أو انكمش تأثيره...العامل الأول، داخلي، ويتعلق باستحواذ الحزب على تأييد ودعم معظم “الشيعة اللبنانيين”، وهذا كفيل بحشد 30 بالمائة من الشعب اللبناني خلف صفوفه وراياته، وهذا عامل استقرار وثبات في الدور والتمثيل لا يمكن إنكاره أو التنكر له، سيما إذا أضيف إلى هؤلاء 10 بالمائة من “السنّة اللبنانيين” وما يتراوح ما بين ثلث إلى نصف المسيحيين (هؤلاء كتلة متحركة لا يمكن ضمانها استراتيجياً).
العامل الثاني، أن الحزب من منظور إيراني، هو أكثر من حليف استراتيجي، هو جزء لا يتجزأ من “المنظومة العقائدية” لإيران، كما كشف سعيد جليلي في زيارته الأخيرة للبنان، والتزام إيران بدعم الحزب وحفظ ديمومته، لا يتزعزع ولا هو من النوع القابل للنقاش...صحيح أن إيران ستجد صعوبة في ربط “شرايين الدم” الممتدة من طهران إلى الضاحية الجنوبية وإدامة جريانها، ما قد يؤثر على قوة وفاعلية الدعم الإيراني للحزب، لكن الصحيح كذلك أنها والحزب على حد سواء، لن يعدما الوسيلة للبحث عن وسيلة أخرى تمر بها قنوات الدعم وأنابيبه.
العامل الثالث، ويتمثل في “رمال الشرق الأوسط المتحركة” التي لا تتوقف عن العبث في خرائط المواقف والتحالفات الناظمة لحركة الفاعلين واللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين على مسرح المنطقة، فما يبدو اليوم أفقاً مسدوداً وشراكات مستحيلة، سيتحول غداً إلى فضاءات مفتوحة وتحالفات وثيقة، وهنا يبقى الرهان دائماً على التبدل المستمر للمواقع والمواقف.
لكل هذه الأسباب، سيبقى حزب الله رقماً مهماً في معادلات لبنان والمنطقة، حتى وإن تراجع دوره أو أعيد تعريفه...وأحسب أن في الأمر مصلحة لكل الأطراف التي ستبقى تنظر لإسرائيل كمهدد رئيس للأمن والاستقرار والحقوق العربية...أما الذين استبدلوا عدواً بآخر، وباتت إيران بالنسبة لهم، هي “العدو الأول والأخير”، فإن الحزب بما يمثل ومن يمثل، سيبقى مدرجاً على رأس جدول استهدافاتهم.
ما ينطبق على حزب الله، ينطبق بهذا القدر أو ذاك، على بقية حلفائه الوازنين في لبنان، أما حلفاؤه الصغار الذين استمدوا ثقلهم، بل ومبرر وجودهم من ارتباطاتهم المباشرة بالنظام السوري وأجهزته الأمنية، فهؤلاء سيتساقطون تباعاً، وبعضهم كما في قضية الوزير الأسبق ميشيل سماحة، بدأ بدفع الثمن قبل أن يرتحل النظام القائم في دمشق...أما حركة أمل والتيار العوني “الوطني الحر” وجماعة أرسلان وفرنجية، فإنها قوى وفصائل تتوفر على “حيثيات” وطنية ومحلية، تجعل إلغاءها صعباً للغاية.
فلسطينياً، ستكون فصائل دمشق في صيغتها الإئتلافية الأخيرة، بعد أن خرجت منها أو عليها، كلياً أو جزئياً، كل من حماس والجبهتان الشعبية والديمقراطية، ستكون في وضع صعب للغاية، وستتعرض للانقراض فعلياً حتى وإن ظلت تحتفظ اسمياً ببعض التمثيل في الأطر الفلسطينية لحسابات تتعلق أساساً بتوازن القوى بين فتح وحماس، كما هي حال جبهة التحرير العربية وغيرها اليوم..هذه الأطراف، لن تغنيها علاقاتها مع طهران عن انعدام وجودها على الأرض في فلسطين أو الشتات، باستنثاء حركة الجهاد الإسلامي التي ستحافظ على وجدودها وديمومتها لأن لها تمثيل حقيقي على الأرض في الضفة والقطاع (يكبر أو يصغر) من جهة، ولأنها بخلاف حماس نجحت في الحفاظ على علاقاتها مع طهران والاحتفاظ بها من جهة أخرى.
من بين هذه الأطراف جميعها، أكثر من سيتعين العمل على “تعويمه” هو حزب الله، وهنا ننتظر مبادرة من حركة حماس ومن بقي على توازنه واتزانه من “جماعات الإخوان المسلمين” في العالم العربي، وبالأخص الجماعة الإسلامية في لبنان...مبادرة تجسيرية تسعى في تغيير مسارات الإنقسام المذهبي التي تحفر عميقاً في العالمين العربي والإسلامي...مبادرة توفر شبكة أمان سنيّة للحزب الشيعي بالأساس، على أساس إعادة رسم خرائط الاصطفاف والتحالفات في المنطقة...مبادرة تحفظ عروبة الشيعة العرب وتعزز مواطنتهم وانتماءاتهم القومية...مبادرة تُبقي بعض المعنى لمفهوم “المقاومة” وثقافتها...مبادرة لا تضع “الديمقراطية” في تعارض أو تناقض مع “الديمقراطية”...مبادرة تذكّر العرب جميعاً، بأن إسرائيل هي من تحتل أرضهم تبتلع حقوقهم وتهوّد قدسهم وتصادر أقصاهم...ولنا حديث آخر عن محاور هذه المبادرة وتفاصيلها.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور