في الطريق إلى “سياتل”، حيث يقيم “نصف عائلتي الصغيرة”، آثرت قضاء بضعة أيام في مدينة شارلوت، التي استعدت على نحو استثنائي، لاستضافة حدث انتظرته مائة وخمسين عاماً: مؤتمر الحزب الديمقراطي، الذي بدأ بالأمس بخطاب للسيدة الأولى، وسيتوج الخميس بخطاب “للسيد الأول” يعلن فيه قبول ترشيح الحزب له للمنافسة على ولاية ثانية ضد مرشح الجمهوريين ميت رومني.
المنافسة تبدو على أشدها بين الخصمين التاريخيين، لكن أوساط الديمقراطيين تبدو متفائلة بنتائج الانتخابات...السيدة نانسي بيلوسي، أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تتقلد رئاسة مجلس النواب، أبلغت مئات الضيوف الأجانب في حفل استقبال أقيم لهم ليلة أمس، أنه بمقدورهم إبلاغ حكومات وبرلمانات دولهم التي يمثلونها، بأن باراك أوباما هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكية.
الصراع في أطول الحملات الانتخابية وأكثرها كلفة في العالم، يبلغ ذروته هذا الأسبوع...الجمهوريين كانوا فرغوا من عقد مؤتمرهم في ولاية فلوريدا، والديمقراطيون سيفعلون شيئاً مشابها نهاية هذا الأسبوع في ولاية تورث كارولينا، وسيستفيدون من توقيت انعقاد مؤتمرهم متأخراً أسبوعاً لاحتواء زخم الهجوم الجمهوري...وهذا ما فعله أوباما على أية حال، عندما ذكر الأمريكيين بأنهم شاهدوا هذا الفيلم من قبل، وبالأبيض والأسود، في إشارة إلى إخفاق رومني في الإتيان بأي جديد، وبأنه يجتر خطابات ووعود أسلافه القدامى.
لكن متابعة الانتخابات الأمريكية من داخل الولايات المتحدة، يعطي المراقب فرصة ثمينة للحصول على ما شاء من معطيات وفي أي مجال أراد...شاهدت “خطابات الترشيح” لأكثر من سبعة مرشحين ديمقراطيين سابقين، بعضهم نجح وبعضهم الآخر لم يحالفه الحظ، وأصدقكم القول انني دهشت لفرط ما ورد فيها من تكرار واجترار وإعادة...لقد شاهد الأمريكيون والعالم هذا الفيلم من قبل، وشاهدوه بالأبيض والأسود كذلك.
هي وعود “التغيير” و”الأمل” و”الطبقة الوسطى” و”التعليم” و”الصحة” و”القيم الأمريكية” و”العائلة”، يجري إطلاقها والتراشق بالاتهامات حول الاحتفاظ بها أو انتهاكها بين المتنافسين، لتكون شخصية الرئيس هي “العامل المرجح” فضلاً عن بعض الأرقام المتواضعة حول نسب البطالة والتشغيل والاقتطاعات الضريبية.
لا حضور للسياسة الخارجية في كل هذه المواجهات الحامية والمكلفة...قضيت أياماً أقلب مئات المحطات التلفزية والإذاعية..لم أعثر على خبر عن سوريا ، ولا أدري من دون “الواشنطن بوست” و”النيويورك تايمز” كيف يمكن لمُهتم أن يعرف ماذا يجري في العالم...ليست السياسة الخارجية أمراً مدرجاً على لائحة موضوعات الحملة وأولوياتها...وحين يؤتى على ذكرها يشار من قبل الديمقراطيين إلى “الانسحاب من العراق” و”انتظار فوج جديد من الجنود العائدين من أفغانستان...أما أطرف شعارات الحملة فقد أطلقه نائب الرئيس جو بايدن: “أسامة بن لادن ميت...جنرال موتورز ما زالت على قيد الحياة” في إشارة إلى خطة أوباما لإنقاذ قطاع إنتاج السيارات في الولايات المتحدة.
أوباما سيعرض في مؤتمر الحزب المفتوح، جردة حساب لسنوات حكمه الأربع الأولى...سيقول كيف نحجت إدارته في احتواء تداعيات أسوأ أزمة اقتصادية ومالية عالمية منذ الركود الكبير في 1929...سيعرض لخطة التأمين الصحي التي نجح في إقراراها وإصلاح نظام القروض الدراسية الجامعية...سيتحدث عن “الطبقة الوسطى” وخطة إحيائها من “الأعلى”...سيشير سريعاً إلى ابن لادن والعراق وأفغانستان، وسيتقدم بملامح استراتيجيته للمرحلة المقبلة، والتي ستبقى تدور حول المحاور ذاتها.
المُميز في مؤتمر الحزب هذا العام، ليس حجم العضوية فيه (ستة آلاف عضو، أكثر من ضعفي مؤتمر الجمهوريين) بل في توفير فرصة للمواطنين للمشاركة في فعالياته، واستخدام تقنيات الاتصال الحديثة لتعميم المشاركة وتوسيع قاعدتها...حضور الأقليات والنساء والشباب في هذا المؤتمر، أكبر من أي مؤتمر سابق، وهو ما حدا بمادلين أولبرايت، التي تواظب على المشاركة في مؤتمرات الحزب منذ العام 1972، للقول أمام مئات المسؤولين والبرلمانيين الأجانب انه “مؤتمر غير مسبوق”....مؤتمر الأعراق والألوان والأديان على حد وصف رئيسه حاكم ولاية لوس أنجلوس، مؤتمر الأجيال المتعاقبة من نشطاء الحزب وفقا لمصادر اللجنة التحضيرية (أصغر المشاركين سناً سيكمل 18 عاماً يوم افتتاح المؤتمر، وأكبرهم سناً من مواليد 1914).
شالوت ذات الـ”750” الف نسمة، والتي يتحدث الطلاب المسجلون فيها 160 لغة، تعيش لحظة تاريخية في حياتها، تختلط فيها السياسة بالسياحة والأمن بالأعمال...هي ليست المدينة التي زرتها قبل 15 عاماً...هي في صدارة الأنباء المحلية والعالمية...نشرة الطقس وأحوال الطرق والجسور فيها، باتت موضع اهتمام ملايين الأمريكيين، وربما غيرهم من دول العالم وشعوبه.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة عريب الرنتاوي جريدة الدستور