من أساليب التربية في القرآن الكريم 

 صفة في الإنسان تدلُّ على نباهة صاحبها وذكائه ، تصدر عنه الأمور بعد رويّة وتدقيق ، وحساب ومراجعة ، يتابع الأمور معتمداً على آليات ومعطيات موثوقة ، ويتحرى الأشياء قبل الحكم عليها ويحسب لكل شيء حساباً .
 وهذا لا يعني أنه موفق دائماً فالأمر بيد الله لكنّه يتعاطى الأسباب ، وغالب أفعاله توصله إلى ما يرميه .
 والقرآن الكريم يضع بين أيدينا كثيراً من الآيات التي تصف المولى عزَّ وجلَّ بالعلم المطلق ، والدقة الكاملة سبحانه وتعالى ، فلِمَ لا نسير على هداه ، ونقطف من جناه ، ونستقي من ضياه ، ونقبس من سناه ؟ .
 فهو سبحانه وتعالى يحكي عن ذاته العظيمة فيقول : (( وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ))(1) .

 

 فهناك إذاً ما هو أصغر من الذرة ، وقد اكتشف العلم الحديث ذلك . . (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) ))(2) .
 وكما أنه سبحانه يعلم كل شيء ، ولا يغيب عنه شيء : فهو سبحانه يحاسب على كل شيء ، مهما صغر أو كبر ، قال تعالى : (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا  يَرَهُ  (8) )) (3) .
 وقال سبحانه كذلك : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) ))(4) .

 

 كما أن الذي يؤمن بالله ، ويقرن الإيمان بالعمل يكرمه الله تعالى فيدخله الجنة ، ولا يُنقِص من ثوابه شيئاً مهما كان صغيراً ، كيف لا والمجازي هو الرحمن الرحيم ؟
 قال تعالى : (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) ))(5) والنقير : حفرة في ظهر النواة ، كرأس الدبوس ، لا تكاد تُرى .
 والله سبحانه وتعالى المتصرف في كل شيئ . أما المعبودات الأخرى فلا تملك شيئاً
مهما  حَقُر ،  فضلاً عن أنها لا تملك نفسها ، فكيف يعبدها الضالون .
 قال تعالى : (( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ))(6) والقطمير : تلك القشرة الرقيقة بين الثمرة والنواة .

 

 أرأيت إلى هذه الدقة في التعبير ففي هذه الآية ذُكِرَ " القطمير " وفي الآية السابقة ذُكر " النقير " .
 فإذا وقفت في غابةكبيرة فيها مئات الآلاف المؤلفة من مليارات الأوراق ، وعشرات الآلاف من مليارات الحب والثمار ، قلتَ مَنْ يعلم عددها ونوعها ؟ .
 والله سبحانه وتعالى يعلم عددها وعدد ما سقط على الأرض منها . . . دقة عجيبة ، وحساب متقن (( . . . . وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ))(7) .

 

 وكل ما يفعله الله بقدر ، وهو مكتوب عنده في لوحه المحفوظ .
 قال تعالى : (( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) ))(8) ، (( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ
مُسْتَطَرٌ (53) ))(9) ، وقال أيضاً : (( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) )) (10) .
 والمشركون يأخذون كتبهم بشمالهم ، فيقرؤونها ، فلا يجدون إلا ما عملوه كاملاً لم ينقص شيئاً صغيراً كان أم كبيراً ، فيتملّك اليأس قلوبهم .

 

أ ـ (( وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
ب ـ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا
جـ ـ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) ))(11) .
 وحين يرفع الله سبحانه وتعالى أولياءه الصالحين إلى الدرجات العلا ، يكرمهم ، فيرفع معهم ذريتهم الذين اتبعوهم بإحسان ، إلى مراتبهم على الرغم من أن صلاح الذرية لم يبلغْ صلاح الآباء مَنّاً منه سبحانه وفضلاً ، دون أن ينقص من ثواب الآباء شيئاً ، قال تعالى : (( وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ . . . ))(12) .

 

 ومن الدقة العجيبة كما مرَّ في "النقير" و "القطمير" ، "الفتيل" أيضاً وهو الخيط الذي في شق النواة . . لا يظلم الله المؤمنين في ثوابهم وأجورهم ، بل يكرمهم ويزيدهم ، فهو المنعم الوهاب .
 قال تعالى : (( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) ))(13) .

 

 وتعالَ إلى الحساب الدقيق في السنوات ، فهؤلاء أصحاب الكهف لبثوا فيه ثلاثة مئة سنة ميلادية ، وهي تساوي ثلاث مئة وتسع سنوات هجرية . وعلى هذا لاحظ الدقة في الحساب
(( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) ))(14) .
 واقرأ معي هذه الآية وتمعن في بعض الأسباب تتابع الليل والنهار :
(( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً
أ ـ لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
ب ـ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
 وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) ))(15) .
 فالدقة دليل على التمكن ، وطريق إلى التثبت .
                 
 

المراجع

odabasham.net

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مصطلحات دينية   الدّيانات   العلوم الاجتماعية